صحيفة العرّاب

مفاجأة غيلبيرت .. تبرئة لحماس وفضيحة لإسرائيل

بعد انتهاء العدوان البربري الإسرائيلي على غزة ، بدأت حرب من نوع جديدة ألا وهى المعركة القضائية التي باتت تقض مضاجع إسرائيل وتنذر قادتها سواء العسكريين أو السياسيين بأن شلالات الدم في غزة لن تبقى كسابقاتها من المجازر الإسرائيلية دون عقاب ، فحتى لو أفلت قادة الكيان الصهيوني من المحاكمة ، فإن محاكمات الشعوب تنتظرهم وتلك هى الأقسى من نوعها ، لأن تل أبيب التي ظلت تخدع العالم بأنها تعيش وسط غابة من الأعداء العرب ، أصبحت وهى النازية سواء في عيون أحرار العالم ، وهذا ما أكدته تصريحات ودموع جراح العظام النرويجي

البروفيسور مادس غيلبيرت الذي عايش بنفسه جرائم الحرب الإسرائيلية خلال العدوان الذي بدأ في 27 ديسمبر وتوقف في 17 يناير.
فقد أكد غيلبيرت أن ما رآه في غزة خلال العدوان يشبه ما ارتكبته النازية مع اليهود وسيكتبه التاريخ بصفحات من دم ، بل إنه أكبر الفضائح الإنسانية على الإطلاق ، نافيا أن يكون العدوان بسبب صواريخ حماس البدائية وإنما جاء في إطار سياسة العقاب الجماعي للفلسطينيين ومعاقبة شعب بالكامل على اختياره الديمقراطي.
وأضاف أنه منذ اختار الفلسطينيون حماس في انتخابات ديمقراطية ، بدأت إسرائيل حصارا جائرا ومنعت الماء والكهرباء والأدوية عن قطاع غزة ، ثم قصفت بعد ذلك المدنيين والأطفال والمدارس المعروفة بأنها ملجأ للأمم المتحدة وقصفت أيضا المساجد ودور العبادة ولم تتوان في هذا الصدد عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ، وقال وهو يبكي :" لايمكن أن يعاقب شعب محاصر بسبب إطلاق بعض الصواريخ ، عدد ضحايا حوادث السير في إسرائيل يفوق أضعاف ما تحدثه تلك الصواريخ البدائية ".
وبالنظر إلى أن تصريحاته السابقة قد تستخدمها إسرائيل ذريعة لاتهامه بدعم حماس وبالتالي التغطية على ما فيها من دليل إدانة لجرائمها ، نفى غيلبيرت دعمه لحماس أو فتح ، وأكد أنه يدعم فقط الشعب الفلسطيني كما يدعم إنهاء الاحتلال وحق الفلسطينيين في اختيار قيادتهم وأن تكون لهم دولة مستقلة ، منتقدا استمرار الاحتلال 60 عاما .
وفي رصد لما شاهده وهو يعمل في مستشفى الشفاء خلال العدوان ، أشاد البروفيسور النرويجي بالكوادر الطبية الفلسطينية وذكائها في التصرف السريع مع مئات الحالات من ضحايا القصف الإسرائيلي ، قائلا :"الأطباء الفلسطينيون أصبحت وجوههم شاحبة من قلة النوم ومن صدمة ما يرونه من بشاعة الإصابات التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا ، كانوا يعالجون يوميا 100 حالة خطيرة في وقت تنعدم فيه الأدوية وكانوا يقومون أيضا بإجراء 14 عملية جراحية في نفس الوقت ، بينما تنعدم الأجواء الصحية لاتمام هذا العمل الشاق جدا ، فالقصف متواصل والقذائف تسقط بالقرب من المستشفى ".
وفجر غيلبيرت في هذا الصدد مفاجأة دحضت كل الادعاءات التي ترددت خلال العدوان حول قيام حكومة حماس بمنع خروج الجرحى للعلاج بالخارج ، مؤكدا أنه والفرق الطبية الأخرى لم تتعرض لأي ضغط أو عرقلة من حماس ، بل إن وزير الصحة في حكومة حماس استقبلهم وأشاد بموقفهم الإنساني ، قائلا :" نكن له كل الاحترام ".
ولم يكتف في تبرئة حماس بالقول فقط وإنما سرد واقعة حدثت له ولزملائه الأجانب ، قائلا :" خلال عودتنا من غزة إلى رفح المصرية ، كنا نصطحب معنا جرحى فلسطينيين في سيارات عليها الصليب الأحمر وقمنا أيضا بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي حتى لانتعرض للقصف ، إلا أنه عندما وصلنا إلى ما عرف سابقا بمستوطنة نتساريم ، تم استهدافنا بالصواريخ الإسرائيلية وتضررت إحدى سياراتنا وقررنا العودة لمستشفى الشفاء بعد أن منعتنا إسرائيل من الخروج ، إن الادعاء حول إعاقة حماس لتحرك القوافل الطبية هو محض افتراء وكذب وشائعات ترددها إسرائيل للتغطية على الفظائع التي ترتكبها في حق الإنسانية ، لانريد أن نرى الموت لأهالي غزة ، يكفى ما حدث في العراق وأبو غريب وجوانتانامو ، غزة 2009 واحدة من معسكرات النازية".
وفيما يبدو أنه تحد جديد لإسرائيل ورسالة دعم لسكان غزة ، استطرد قائلا :" على الناس في غزة أن يعرفوا أنهم ليسوا وحدهم وعليهم ألا يستسلموا ، لا تستلموا ، شعوب العالم يتأملون في صبركم ويستمدون من قوتكم " ، واختتم تصريحاته أيضا بتحدي اليمين المتطرف المؤيد لإسرائيل في الغرب والذي اتهمه بدعم حماس ، قائلا :" الحقائق بمستشفى الشفاء خير دليل على صحة أقوالي ، قيام أنصار إسرائيل بزيارة غزة لمدة 10 دقائق كفيلة بتغيير كافة آرائهم".
 القصف الإسرائيلي استهدف البشر والحجر  
التصريحات السابقة وهى صادرة عن شاهد عيان من موقع الحدث ، لم تكن الأولى التي تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ، فقد أكد ريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة أن هناك أدلة على أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب خلال عدوانها على قطاع غزة وأنه يجب أن يكون هناك تحقيق مستقل.
وأضاف أن إسرائيل لم تبذل أي جهد للسماح للمدنيين بالفرار من القتال، بل تعمدت حصار الناس في منطقة حرب وهذا أمر لايختلف عن معسكرات الاعتقال في عهد النازية ، قائلا :" كان من الممكن أن يكون هناك ترتيب مؤقت على الأقل للسماح للأطفال والعجزة والمرضى المدنيين بالمغادرة، جميع سكان غزة، الذين كانوا عالقين في منطقة الحرب دون أي إمكانية للمغادرة كلاجئين، ربما أصيبوا بندبات ذهنية لطيلة حياتهم وإذا كان هذا هو الحال فإن تعريف الضحية يمكن أن يمتد ليشمل جميع السكان المدنيين".
ورفض فولك في هذا المزاعم الإسرائيلية حول أن حربها كانت للدفاع عن النفس في ظل الهجمات الصاروخية التي تستهدفها انطلاقاً من قطاع غزة ، قائلا :" من وجهة نظري فإن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لا يعطي إسرائيل أساساً قانونياً للادعاء بالدفاع عن النفس، إسرائيل لم تحدد القتال بالمناطق التي جاءت منها الصواريخ ورفضت التفاوض مع حماس ما منع التوصل إلى حل دبلوماسي".
وفي السياق ذاته ، ذكرت صحيفة "ذي إندبندنت أون صنداي" البريطانية أن قنابل تحتوي على مسحوق التنغستن قصفت بها إسرائيل الفلسطينيين في غزة، مؤكدة أنها قنابل تترك ضحايا بجروح غامضة وأن تل أبيب تواجه اتهامات باقتراف جرائم حرب في القطاع.
ونسبت الصحيفة للناطق باسم الأمم المتحدة كريس غينيس قوله إنه يجب التحقيق لمعرفة جرائم الحرب التي يمكن أن تكون إسرائيل اقترفتها في حربها على غزة ، كما نسبت الصحيفة إلى الطبيب النرويجي إيريك فوس الذي عمل في مستشفيات غزة مع بداية الحرب، قوله إن إسرائيل استخدمت قنبلة "متفجرات المعدن الخامل ذات الكثافة العالية" أو "دايم".
وأوضح الطبيب أنه شاهد مصابين فلسطينيين بجروح بالغة دون ملاحظة شظايا بداخلها، مضيفا أنه عمل في مناطق حروب لأكثر من ثلاثين عاما ولم يشهد مثل تلك الجروح، وأن الصور الطبية تتطابق مع ما تسببه قنابل "دايم" التي قد تسبب السرطان.
وبينما رفض الجيش الإسرائيلي تأكيد أو نفي استخدامه أسلحة محرمة دوليا مثل "الفوسفور الأبيض" أو قنابل "دايم"، نقلت الصحيفة أيضا عن عدد من الأطباء العرب في غزة قولهم إنهم شاهدوا مصابين بجروح غريبة وغير قابلة للعلاج، حيث تبقى تنزف باستمرار.
وقنابل "دايم" مصممة لإحداث انفجارات كثيفة في موقع صغير، وهي محشوة بمسحوق من مادة "التنغستن" التي تشكل شظايا حادة وتذوب في الأنسجة البشرية، ما يصعب معه اكتشاف أسباب الجروح في أجساد الضحايا، وهي بالتالي تشكل جرائم حرب عند استخدامها ضد المدنيين، وفقا لما انتهت إليه الصحيفة البريطانية .
ويبدو أن إسرائيل التي سقطت أخلاقيا أمام العالم كما سقطت عسكريا بدأت تدرك حجم المأزق الذي يواجهها ، فجرائمها ضد المدنيين في غزة كانت من البشاعة لدرجة لم تستطع معها حليفتها أمريكا إخفائها أو التغطية عليها مثلما فعلت مع مجازرها السابقة في دير ياسين وقانا وجنين ، وأمام هذا المأزق شرع الكيان الصهيوني في عدد من الإجراءات تحسبا لدعاوى قضائية أمام المحاكم الأوروبية والدولية ضد قادته ، وكلف رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت وزير القضاء في حكومته دانيال فريدمان بقيادة فريق حكومي سينسق الدفاع عن مسئولين مدنيين وعسكريين في حال تقديم طلبات ملاحقة بحقهم لارتكابهم جرائم حرب في غزة.
وكشفت صحيفة "هآرتس" أن الخوف في إسرائيل تزايد من موجة دعاوى قضائية ضد الضباط الإسرائيليين في محاكم خارج البلاد خصوصا في دول أوروبية ، مشيرة إلى أن الرقابة العسكرية حظرت أيضا على وسائل الإعلام نشر الأسماء الكاملة للضباط وصورهم بدءا من مستوى قائد كتيبة وما دون، على اعتبار أن الضباط بمستوى قائد لواء فما فوق من الذين شاركوا في المحرقة قد تم نشر أسمائهم وصورهم ، كذلك حظرت الرقابة نشر تقارير تربط ما بين ضابط بمستوى قائد كتيبة وما دون ذلك وبين دمار لحق بمنطقة معينة في غزة.
وعبر مسئولون إسرائيليون للصحيفة عن قلقهم من المقابلات التي أجرتها وسائل إعلام مع ضباط تحدثوا خلالها عن هدم البيوت أو قتل وجرح مدنيين فلسطينيين في المناطق التي كانت تحت إمرتهم لأن الاعتراف بالجريمة من جانب الضباط يعتبر أفضل ذخيرة بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان التي تسعى لفتح إجراءات قضائية ضد ضباط الجيش الإسرائيلي.
وانتهت هآرتس إلى أن تقريرا غير رسمي وصل إلى إسرائيل قبل أيام حول دعوى قضائية تم تقديمها إلى محكمة هولندية ضد أحد قادة الألوية في الجيش الإسرائيلي بعد أن تم ذكره في وسائل الإعلام ، كما توفرت معلومات لدى إسرائيل مفادها أن منظمات حقوقية بدأت بجمع أسماء ضباط شاركوا في القتال في غزة بهدف جمع أدلة تمكن من بدء إجراءات قضائية ضدهم.
 أيضا كشف النقاب في إسرائيل عن أن جهات غربية قدمت 15 دعوى إلى محكمة لاهاي لجرائم الحرب ضد 15 شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية ارتكبت جرائم حرب في فلسطين ولبنان وضد الأسرى المصريين وهم إيهود باراك وزير الحرب ، إيهود أولمرت رئيس الوزراء المستقيل، تسيبي ليفني وزيرة الخارجية ، عمير بيرتس وزير الحرب السابق ، بنيامين بن اليعازر وزير البنى التحتية في الحكومة الحالية ، آفي ديختر وزير الأمن الداخلي في الحكومة الحالية، كرمي جيلون رئيس الشاباك الأسبق ، دان حالوتس رئيس أركان الجيش السابق ، الجنرال دورون ألموغ قائد اللواء الجنوبي الأسبق في الجيش الاسرائيلي ، الجنرال اليعازر شكيدي قائد سلاح الجو السابق ، الجنرال غيورا آيلاند قائد اللواء الجنوبي ، الجنرال غابي أشكنازي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي، الجنرال متان فلنائي نائب وزير الدفاع الحالي ، الجنرال موشيه يعلون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق ، الجنرال شاؤول موفاز وزير النقل الحالي.
وتباينت الآراء حول جدوى التحركات السابقة ، فهناك مخاوف من أن ينجح اللوبي اليهودي في تجنيب إسرائيل اتهامات باستخدام أسلحة محرمة دوليا في الحرب على غزة، بما فيها نوع جديد من القنابل التي تسبب جراحا يقول الأطباء إنهم لم يشهدوا مثيلا لها في السابق وإنه من المستحيل معالجتها ، وهناك تجربة سابقة في هذا الشأن عندما نجحت المنظمات اليهودية في ممارسة الضغوط على بلجيكا عام 2001 لتغيير قانون يتعلق بجرائم الحرب ، كان يستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون.
ومما يزيد المخاوف في هذا الشأن أيضا أن المحكمة الجنائية الدولية أعلنت أنها لا تملك الاختصاص للنظر في دعاوى اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة لأن إسرائيل ليست عضوا في الميثاق المؤسس للمحكمة التي تنظر فقط في الجرائم التي ترتكب في دولة وقعته أو في دعاوى يرفعها مواطن من هذه الدولة.
إلا أنه في المقابل ، ظهرت آراء تؤكد أن إسرائيل لن تفلت من العقاب هذه المرة خاصة وأن جرائم الحرب التي ارتكبتها لم يسبق لها مثيل ، الأمر الذي حشد كل أحرار العالم ضدها .
وفي هذا الصدد ، كشف أعضاء في تحالف دولي من 320 جمعية حقوقية أن المحكمة الجنائية الدولية لم تعلن رسميا رفضها الدعوى ، لكنها طلبت مستندات ووثائق أخرى ، وتحدث الدكتور محمود رفعت أستاذ القانون الجنائي في جامعة باريس وخبير قانون المحكمة الجنائية الدولية عن ثلاثة أطراف وحدها تملك إمكانية رفع دعوى، أولها الدولة المعتدى عليها، وهي في حالة غزة ، السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا، وثانيها مجلس الأمن، وثالثها المدعي العام بالمحكمة الجنائية لويس أوكامبو وهو ما تعول عليه عشرات الجمعيات المدنية غير الحكومية ، بجانب إمكانية الضغط على السلطة الفلسطينية لإحراجها أمام شعبها وإجبارها على التحرك في هذا الإطار .
وهنا أمرآخر لم يسلكه العرب والمسلمون ألا وهو الجميعة العامة للأمم المتحدة ، فقد أطلقت اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان في بريطانيا حملة للمطالبة بإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة إسرائيل على ما ألحقته في غزة من دمار وضحايا مدنيين ، ووجهت في هذا الصدد رسائل إلى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند لحثه على مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بمحاسبة إسرائيل بموجب المادة الـ 22 من ميثاق الأمم المتحدة ، موضحة أن المطالبة بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بإسرائيل ليست خطوة غير مسبوقة وأنه سبق ذلك إنشاء محكمتين من هذا القبيل خاصتين برواندا ويوغسلافيا السابقة.
والخلاصة أن هناك فرصة أمام الدول العربية والإسلامية لمحاكمة إسرائيل ولن يغفر التاريخ أي تخاذل في هذا الشأن .