صحيفة العرّاب

المخفي والمسكوت عنه في العلاقة المتوترة بين مصر برئاسة مرسي والحكم الاردني

  اثبت رئيس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل بدون قصد ان بلاده 'تسيس' ضخ واردات الغاز للاردن، عندما لاحظ الخبراء في قطاع الكهرباء بعمان ان كمية الغاز التي ضخت في الانبوب الاردني يوم زيارة قنديل تجاوزت حتى المتفق عليه.

الجهات المصرية المعنية بملف الغاز، الذي يوتر العلاقات الاردنية ـ المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي تقصدت اظهار نوع من 'الكرم' في ضخ الغاز اثناء وجود قنديل في عمان لاغراض انجاح اول اجتماع للجنة الوزارية العليا بعد الربيع العربي.

سياسيا وبيروقراطيا يتذرع المصريون دوما باشكالات فنية وجغرافية وامنية تحول دون الالتزام بالكمية المتفق عليها ورقيا مع عمان، لكن اجرائيا رصد الاردنيون ان الكمية زادت خلال زيارة قنديل حتى عن معدلها الورقي، فيما بدأت بالتناقص بمجرد انتهاء الزيارة ومغادرة قنديل للاراضي الاردنية.

في مكتب رئيس الوزراء الاردني عبد الله النسور لا يوجد تفسير لهذا التقلب في ملف الغاز المصري، والاستنتاج ان الحلقة المستحكمة بالقرار في محيط حكومة الرئيس مرسي توقت واردات الغاز المصرية على بوصلة العلاقة السياسية بين الحكومة الاردنية وتيار الاخوان المسلمين في عمان.

لذلك يتفهم المراقبون مجموعة النسور وهي تلمح الى ان الازمة الداخلية مع اخوان الاردن سببها تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، بعدما استحكم الاخوان المسلمون في مصر وتونس ويتطلعون بدورهم للعبث بمعادلات التحالف الكلاسيكية مع مؤسسة الحكم الاردنية.

بالنسبة للاردنيين التحكم بواردات الغاز المصرية وفقا لبوصلة واجندة سياسية ضاغطة على الاقتصاد الاردني كانت لعبة محفوفة بالمخاطر من مؤسسة الرئاسة المصرية، والدليل ان كمية هذه الواردات زادت عن المعدل عندما حل قنديل ضيفا في عمان، ثم بدأت بالتراجع لتضيف من الاعباء على الخزينة الاردنية.

النسور قال لقنديل بوضوح ان الحكومة المصرية لا تلتزم بالاتفاقيات الموقعة معها بخصوص الغاز من حيث السعر والكمية، وثمة من لمح في السياق الوزاري الى ان عمان تطالب حكومة قنديل بمعاملتها كما تعامل اسرائيل في مسألة الغاز.
اصل المشكلة ان قطاع الكهرباء الاردني يعتمد بصورة شاملة على واردات الغاز المصرية، وان قطر لا زالت تحرم عمان من الغاز واي انخفاض في الواردات المصرية يعني ان شركات انتاج الطاقة الاردنية تضطر لاستعمال الديزل لتشغيل محطات توليد الكهرباء.


هنا حصريا تبرز اشكالية الاقتصاد الاردني، فاستعمال الديزل اضطراريا لصناعة الكهرباء يضاعف الكلفة على الخزينة الاردنية وبالتالي يزيد من معدلات المديونية ويرهق الموازنة.

وقد عبر الملك عبد الله الثاني شخصيا عن الامر في خطاب شهير عندما ابلغ شعبه بان المديونية زادت بمعدل اربعة مليارات دولار، حصريا بسبب توتر عملية توريد الغاز المصري.

قبل ذلك باشهر كان وزير الخارجية ناصر جودة يلمح الى ان قادة الاخوان المسلمين في بلاده لا يتدخلون لصالح بلادهم مع حلفائهم في الحكم المصري، وعندما نقلت 'القدس العربي' الملاحظة للرجل الثاني في تنظيم الاخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد ولدت فكرة تشكيل وفد اخواني بقيادة الشيخ همام سعيد يزور القاهرة لكي يضغط باسم الشعب الاردني في مسألة الغاز التي تعتبر محورية جدا عندما يتعلق الامر بالازمة المالية الاردنية وبفاتورة النفط.

بني ارشيد تهكم على مقولة انه ورفاقه من مشايخ الاخوان يستخدمون الورقة المصرية للضغط على حكومة بلادهم وتحدث لـ'القدس العربي' عن عشرات الاسباب التي تدفع المواطن الاردني للغضب والاحتقان والمطالبة بالاصلاح ومواجهة الفساد.
لاحقا سألت 'القدس العربي' على هامش صالون الدكتور امين محمود السياسي الشيخ حمزة منصور عن مسألة الاستعانة بمصر مرسي لتحقيق مكاسب سياسية في عمان فقال: معاذ الله ان نستعين بأي اوراق اقليمية او خارجية فقصتنا دوما كانت وستبقى اردنية بامتياز.


لذلك حضر قنديل الى عمان بعد طول انتظار مع وفد وزاري رفيع قبل اسبوعين، بعدما وجه الاردنيون 'رسائل خشنة' للغاية للرئاسة المصرية اثر تعاظم شعور مربع القرار الاردني بان مرسي يدعم عن بعد النسخة الاردنية من الاخوان المسلمين ويدفعها 'للتنمر' على النظام في عمان، عبر عبث فريقه بمسألة في غاية الحساسية مثل الغاز.


هذا الشعور مستحكم في اروقة ومفاصل القرار الاردنية وان كان يثير التهكم عند الشيخ ارشيد وينفيه الشيخ منصور من حيث المبدأ، ويعمل الشيخ همام سعيد على تبديده لكنه بكل الاحوال بالنسبة لصناع القرار الاردني مؤشر قوي على ان المعارضة الاخوانية في عمان تلعب بورقة مرسي وتستخدمها، والمؤشر الاقوى على ان الجماعة يحاولون تبديل قواعد اللعبة.


وفقا لاجندة الرسال الاردنية الخشنة التي وجهت وراء الكواليس لمؤسسة الرئيس مرسي كان المشهد واضحا، فقد كشف الغطاء في الصحافة الاردنية عن الرئاسة المصرية وهوجمت بقسوة في اكثر من مناسبة والتقاعس الاخواني المفترض في مسألة الغاز انتهى برعاية غير مباشرة حاولت توفير حاضنة رسمية لانشقاق محتمل في البيت الاخواني. الاهم هو الخشونة مع مرسي في الاروقة الخلفية ففي مؤسسة القصر الملكي تبنت حلقات استشارية خطوات تصعيدية ينبغي ان ترسل لمرسي لكي يفهم ان عمان ليست ضعيفة ولا يمكنه استغلال ظروفها الاقتصادية .


في التفاصيل برزت قناعة بان على مرسي ان يفهم بخشونة انه يمس بمصالح ما يقارب من مليون وافد مصري يعملون ويرتزقون في الاردن اذا ما اصر على لعبة الضغط على المملكة بمسألة الغاز.
في احد الاجتماعات المغلقة قال احد كبار المسؤولين الاردنيين: يمكننا افهامه بانه يتلاعب بنفسه عندما نعيد له مليون مصري يعملون لدينا.


وفي اجتماع ملكي مغلق قيل مباشرة بان عمان لديها اوراق بالمقابل للضغط على مرسي، من بينها ملف العمالة وملف الترانزيت الذي يستخدمه المصريون في الخليج للعبور الى بلادهم او لتوريد بضائعهم للخليج.

لاحقا استقر التقدير على ان الازمة التي يواجهها مرسي في الشارع المصري يمكن ان تدعم اردنيا بعدة طرق. والرسالة الاهم والاكثر خشونة وجهت عندما ابلغت السفارة المصرية رسميا بوجود 300 الف من العمال الوافدين يوجدون في البلاد بصورة غير شرعية وتم فعلا القبض على اكثر من 2000 منهم وترحيلهم فورا على امل ان يتم لفت نظر الرئاسة المصرية. هذه الرسالة يعتقد انها دفعت قنديل للحضور مبكرا لعمان بعد اتصال هاتفي بين مرسي والملك عبد الله الثاني.

وفي الاثناء فقط عادت الحياة لانبوب الغاز الناقل قبل ان ان تشح مجددا الواردات في اطار حسابات وحساسيات مخفية في اسرار العلاقة بين مرسي والحكم الاردني.


'القدس العربي'