صحيفة العرّاب

وزير خارجية إيران والوتر الأردني الحساس: ساعة ونصف بصراحة مع القصر الملكي

 بعد زيارة الملك عبدلله الثاني الأخيرة لواشنطن إنحاز مطبخ القرار الأردني مباشرة للبحث عن شروحات تتعلق حصريا بردود فعل إيران وحزب إلله المحتملة على التفاهمات التي شهدتها واشنطن بين نخبة من أهم القادة العرب والرئيس الأمريكي باراك أوباما.


حلقات الإتصال مقطوعة تماما بين المؤسسة الأردنية وحزب إلله ومقتصرة على شخصيات إعلامية وسياسية أردنية تنقل الرسائل بين الحين والأخر فيما يمكن إعتبار السفير الإيراني في عمان الدكتور مصطفى زاده حلقة موصلة بإمتياز لتبادل الرسائل وفي أي توقيت.

السفير زاده وجه عبر مسئول أردني بارز رسالة تقول بأن وزير خارجيته علي أكبر صالحي يفكر بالحضور لعمان لهدفين الأول إيصال رسالة للملك من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد, والثاني إفتتاح المقر الجديد للسفارة الإيرانية في عمان والذي يضم عدة أجنحة ويعتبر أضخم من المبنى السابق.

جبهة وزير الخارجية ناصر جوده وبعض المستشارين في القصر الملكي لم تكن متحمسة لإستقبال وزير خارجية إيران لكن الإجابة المرجعية كانت: لنستقبله ونستمع ولنفكر في نقل وجهة نظرنا للإيرانيين بالوقت نفسه.

على هذا الأساس حضر الوزير الإيراني في أول تواصل أو إحتكاك مباشر مع المؤسسة الأردنية منذ التطورات الأخيرة في المشهد السوري في إطار إختبار حساس قليلا بدأ فعلا منذ إعتلى الضيف الإيراني منصة مقر الخارجية الأردنية المخصصة للصحفيين في مؤتمر صحفي مشترك مع الوزير جوده.

بالنسبة للإيرانيين الوزير جوده لا يشكل ثقلا وسط دائرة القرار الأردنية..على الأقل كانت تلك وجهة نظر السفير زاده الذي إقترح على الوزير صالحي التركيز حصريا على لقاء محتمل مع الملك مباشرة في القصر الملكي مع التأكيد على أن هذا اللقاء سيحدد ما إذا كانت طهران تستطيع تحقيق أي إختراق على الجبهة الأردنية دبلوماسيا أم ستعمل على إغلاق صفحة الجهد على الساحة الأردنية التي لا تتمتع طهران فيها بأي نفوذ من أي نوع.

اما بالنسبة للإردنيين فالفرصة مواتية لمناقشة طهران بالتهديدات التي صدرت عن الرجل الثاني في رئاسة الأركان الإيرانية الجنرال فيروز أبادي بعنوان: الأردن سيدفع ثمن تحالفه مع الولايات المتحدة وإسرائيل إذا بدأت الحرب على سوريا.

بعد جولة داخلية صريحة بين الوزيرين صالحي وجوده بدأت وصلة المناكفات أمام الإعلاميين والصحفيين.

مسرح المناكفات كان قضية الجزر الإماراتية والتدخل الإيراني بالبحرين وتهديدات الجنرالات لعمان.

أحد الصحفيين المقربين من الوزير جوده طرح سؤالا مشاكسا عن الأجندة الإيرانية وأطماعها في الخليج العربي ومراسل قناة الجزيرة في عمان طرح إستفسارا عن تدخلات مماثلة وقابل الوزير صالحي هذه التساؤلات المناكفة بإبتسامة تخفي عدم رضاه وفقا لصحفي رصد المشهد وتحدث للقدس العربي.

لاحقا سجل الوزير الإيراني على المؤتمر الصحفي ثلاث ملاحظات قيل أنه لم يتردد في التطرق إليها أو التلميح لها خلال مباحثاته الهامة جدا في القصر الملكي: الوزير جوده قاطعني ثلاث مرات, وأدلى بتعليقات على تعليقاتي ثلاث مرات, وبعض الأسئلة التي طرحت علي مبرمجة وإستفزازية وغالبية الأسئلة والمداخلات لم تناقش العلاقات الأردنية الإيرانية.

لم يكن سرا أن جملة المناكفة التي تعرض لها الوزير الإيراني تم رصدها جيدا حتى من قبل الإعلاميين الموجودين لذلك وخلال نقاش تقييمي مع السفير زاده ألمح صالحي لإن اللقاء مع وزير خارجية الأردن كان سيئا للغاية ومزعجا وخارج السياق معربا عن مخاوفه من عدم ترتيب لقاء له مع الملك لتسليم الرسالة التي يحملها.

برنامج صالحي لليوم الثاني لزيارته لعمان كان يتضمن عدة نشاطات من بينها غداء رسمي تقيمه وزارة الخارجية وإفتتاح رسمي لمقر السفارة الإيرانية في عمان (لم يحضره جوده) وفي أعقابه لقاء مع نحو 40 شخصية أردنية وعربية وأجنبية.


تعايش طاقم السفارة الإيرانية مع لحظات عصيبة بإنتظار الإتصال الهاتفي الذي يحدد موعد اللقاء الملكي ومع مرور الساعات بدأت وصلات القلق لإن موعد اللقاء تغير ولإن صالحي مرتبط بأجندة زمنية في دمشق.

وسط زحمة التأويلات تم تحديد الموعد ظهر الثلاثاء وإلتقى صالحي العاهل الأردني الساعة الثانية عشرة والنصف تقريبا لمدة تقترب من ساعة ونصف حسب مصادر دبلوماسية مطلعة على الحيثيات.

تحديد الموعد في اللحظة الأخيرة نتج عنه إفتتاح سريع لمقر السفارة وقص الشريط (بدون حضور الوزير جوده) وتأجيل اللقاء مع السفراء والدبلوماسيين الذين حضروا للمكان ولم يجدوا المضيف الإيراني بإستقبالهم وتقبلوا بصعوبة إعتذارات السفير زاده وهو يبلغهم بان الوزير صالحي إضطر للمغادرة قبل الوقت المحدد.

..نحو ساعة ونصف للوزير صالحي بضيافة الملك عبدلله الثاني كان وقتا أكثر مما توقع الإيرانيون أما الحديث ولغة الحوار والمفاهيم والعبارات ففي الإتجاه المعاكس تماما لأجواء اللقاء مع جوده.

بعد اللقاء مباشرة وفي الطريق إلى مطعم فاخر جدا في منطقة جبل عمان لتناول طعام الغداء أوصل صالحي {لجهة ما} في بلاده رسالة قصيرة تفيد بأن اللقاء مع الملك عبدلله الثاني ممتاز وفاق التوقعات وخلال ساعات قليلة كان المجتمع الدبلوماسي ينشغل في البحث عن التفاصيل او التوصل لبعضها ويتداولها.

تردد هنا ان الوزير الإيراني إشتكى من طريقة نظيره الأردني في التعامل معه . اللقاء تجاوز فيما يبدو الإطار البروتوكولي وتخلله حوار سياسي معمق دفع بالوزير صالحي لألغاء إستقبال الضيوف في عمان والمسارعة في المغادرة إلى دمشق مستقلا طائرته الرسمية الخاصة.

إستنادا إلى مصدر أردني ضرب الوزير الإيراني بذكاء على أكثر الأوتار الأردنية حساسية عندما تقدم بالرسالة المحورية لبلاده تجاه الأردنيين والتي تتمثل في أن الإستسلام أردنيا (للمنطق الأمريكي) في مسألة سوريا لم يعد منتجا لإن واشنطن لم تحسم خياراتها بعد وموسكو مصرة على عدم إسقاط نظام الرئيس بشار وإيران لا تملك إلا خيار الوقوف معه.

صالحي لم يكتفي بذلك بل عبر عن قناعته بأن الهدف النهائي لما يحصل في سوريا هو حصريا تصفية القضية الفلسطينية مقدرا بأن يتعرض الأردن لخيارات لا تناسبه وضغوطات عنيفة من الأمريكيين والإسرائيليين إذا ما حسم الملف السوري لصالح سيناريو التصعيد القطري – السعودي.

صالحي تحدث بنعومة عن (لغة تتطور) ويمكن التعاطي معها بالنسبة للسعودية محذرا من أن الأردن قد يكون الحلقة الأضعف عندما ينتقل العمل على ملف القضية الفلسطينية فيما سيتصدر السيناريو القطري وتفرض الحلول والتسويات على الأردن عارضا المساعدة في (تخفيف الضغوط عن الأردن) عبر الحلفاء في روسيا والصين.

عمليا بهذا المعنى لعب الوزير الإيراني بالورقة الفلسطينية لكي يعزز إقصاء الأردن عن سيناريو التغيير في سوريا وهو كلام ينسجم فعلا مع مخاوف عمان من مسلسل تنازلات ستفرض عليها على الواجهة الفلسطينية إذا ما إنتقل الفرقاء إلى طاولة التسوية السياسية في سوريا .

العاهل الأردني سبق ان طالب الرئيس الروسي بوتين بمساعدة بلاده عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

 لذلك فهم الأردنيون بأن الضيف الإيراني على إتصال مع موسكو على الأرجح مما عزز القناعة بضرورة الإستماع له بحرص.

الوزير الإيراني بدوره تلمس تقبلا ملكيا أردنيا لبعض الأفكار وتفاعلا معها خصوصا في إطار الثوابت الأردنية التي ترفض عمليا الضغوط المتعلقة بعملية السلام ولا تتحمس للعمل العسكري ضد سوريا أو إيران …يبقى السؤال ما الذي (أفرح) الإيرانيين بعد لقاء وزير خارجيتهم بالعاهل الأردني؟.

الإجابة ومن زاوية التحليل وبعض معطيات المعلومات لا تبدو صعبة أو معقدة ففكرة التصدر القطري لمشهد عملية السلام تقلق الأردنيين أصلا وعمان تحافظ على مسافة واضحة الملامح تجاه خيارات الحرب وتخشى (الإرهاب والكيماوي السوري) كما قيل لصالحي.

فهم الصالحي عمليا بان عمان مستعدة (للإنفتاح أكثر) على المسار الإيراني وتعارض بشدة أي عمل عسكري ضد إيران.

كما فهم بأن عمان متهيئة للتفاعل وتؤيد خطة إستقرار إنتقالية في سوريا ولا ترغب بالتصعيد العسكري ويقلقها إصرار بشار الأسد على إقفال قنوات الحوار وعدم الإستماع للنصائح وقرارها حتى اللحظة عدم التورط بأي عمل عدائي تجاه النظام السوري وهي منزعجة لإن دمشق تتجاهل (رسائل حسن نية) أرسلت ميدانيا لها من الأردن.

 فوق ذلك قيل للوزير الإيراني بان الأردن يستطيع دعم مباديء المبادرة المصرية بخصوص الملف السوري والتأثير بالسعودية في هذا السياق وقيل له أن المناطق العازلة ليست في وارد التجاوب الأردني ولا مطالبات الحظر الجوي على الطيران لكن النقطة التي تضعف الأردن هي إستمرار تدفق اللاجئين وإحتمالات عبث بعض الأجهزة السورية داخل الأردن ومخاطر السلاح الكيماوي التي تدفع إسرائيل للقفز على الطاولة وبقوة كلما نوقش الملف السوري.

قيل لصالحي بوضوح بان الأردن لا يمكنه أن يجازف بقبول دولة (تكفيرية) متشددة عند حدوده الشمالية ويعارض نمو التيار السلفي الجهادي في سوريا ولا مصلحة له بالإشتباك العسكري ولا بسقوط الدولة السورية ويدعم بكل وضوح تسوية سياسية شاملة تبدأ بالحوار والتوافق توقف شلال الدماء.

…الرسائل الأردنية أشعرت الوزير الإيراني ببعض الإثارة ودفعته للإستئذان فيما إذا كان بإمكانه نقل ما سمعه بخصوص سوريا من وجهة نظر الأردن للرئيس بشار الأسد الذي سيقابله مساء نفس اليوم فجاءه رد الفعل بالإيجاب وبانه يفضل أن ينقل وجهة نظر عمان لدمشق.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد زادت حصيلة سلة الوزير الصالحي عندما سمع ترحيبا مباشرا بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد ضيفا عزيزا على الأردن وفي أي وأسرع وقت.

 لاحقا صدر من إيران ما يشير لإن رئيس إيران تلقى عمليا دعوة لزيارة الأردن هي الأولى من نوعها كما قيل له بأن شخصية أردنية رفيعة المستوى ستزور طهران قريبا جدا.

لذلك أبلغ موظف رفيع في سفارة طهران بعمان الضيوف الذين تجمعوا على بوابة مقر السفارة عند الإفتتاح بأن لقاء صالحي مع الملك عبدلله الثاني كان رائعا وأن نتائج طيبة ستظهر في السياق الأسبوع المقبل.

 ساعات فقط بعد مغادرة صالحي لعمان ترددت الأنباء عن إتفاق وزيرا خارجية روسيا وأمريكا على العودة لوثيقة جنيف والتحضير لمؤتمر دولي بخصوص الأزمة السورية ..كذلك عن تفصيلات الموقف الصيني الجديد بالقضية الفلسطينية وتهديدات بشار الأسد بتحويل الجولان لجبهة مقاومة.