صحيفة العرّاب

تصاعد العنف الاجتماعي في الأردن بين العشائرية ودولة القانون

شهد شهر أغسطس/آب الماضي والايام الاولى من شهر ايلول \ سبتمر الحالي , موجات من العنف راح ضحيتها حوالي 23 مواطنا وعشرات الجرحى وأضرار بالممتلكات .

فمنذ مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الحالي، سجلت 4 جرائم قتل ، فيما سجلت حالة انتحار واحدة، في الوقت الذي انتهى فيه شهر آب (أغسطس) بـ 16 جريمة قتل و 4 حالات انتحار، وهو رقم كبير بالنسبة للمشهد الاجتماعي الأردني، الذي لم يعرف هذا الحجم من الجرائم في تاريخه.
ومع حلول مساء يوم الجمعة الماضي (4/9)، أقدم شاب عشريني على قتل حدث (17 عاما) بطعنه بأداة حادة في أحد المناطق شرق العاصمة، إثر مشادة كلامية وقعت بينهما، فيما أقدم سائق شاحنة على قتل زميله ويعمل سائقا أيضا، عن طريق ضربه ''بعتلة '' حديدية على رأسه فارداه قتيلا، في أحد الضواحي الشمالية للعاصمة الخميس.
وفي محافظة الكرك، أقدم رجل خمسيني، على قتل ابن شقيقه بالرصاص، إثر خلافات عائلية، أما في منطقة سحاب، على الأطراف الشرقية للعاصمة عمّان، فقد أقدم شاب يبلغ من العمر (22 عاما) على قتل حدث يبلغ من العمر (16 عاما) بعد طعنه في صدره. والأسباب على ما يبدو خلافات مالية.
وشهد شهر آب (أغسطس) الماضي، وقوع 16 جريمة قتل، راح ضحيتها 19 شخصا من بينهم أربع إناث، بالإضافة إلى 4 حالات انتحار، ومقتل قرابة 40 شخصا في حوادث سير مختلفة، فضلا عن اشتباكات عشائرية في مناطق متعددة من محافظات المملكة.
وكان بعض جرائم قتل مروعا ونادرا في الأردن، من بينها إقدام صيدلاني على قتل زوجته وأطفاله قبل أن ينتحر، وجرائم أخرى أفضت إلى مشاجرات جماعية بين عائلات وعشائر.
تصاعد العنف الاجتماعي هذا , فتح الباب أمام تساؤلات حول مدى التحولات التي يشهدها مجتمع ما زال يصنف بأنه "آمن".
كما فتحت هذه الحوادث أعين متخصصين ومراقبين على قراءة هذه الأحداث، وهل تشكل مؤشرات على تحول المجتمع الأردني إلى مجتمع أقل أمنا؟.
ويرى خبراء اجتماعيون، أن "تنامي ظاهرة العنف المجتمعي يشير إلى تطور خطير للواقع الاجتماعي الأردني"، وشدد هؤلاء على أن "حالات العنف أصبحت جزءا من حياة المواطنين اليومية". فيما وجه خبراء آخرون التهمة إلى انتشار العمل بالقوانين العشائرية في البلاد "حيث أفضى ذلك إلى تمسك الفرد بولائه وانتمائه للعشيرة".
وبرأي أستاذة علم الاجتماع في جامعة عمان الأهلية الدكتورة عصمت حوسو فإن هذه الحوادث تدل على أن "المجتمع أصبح يشهد ظواهر خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي".
غير أنها قالت : "من المبكر تصنيف المجتمع على أنه بات غير آمن أو أقل أمنا".
وتعزو حوسو أسباب هذا العنف إلى أسباب منها تداعيات الأزمة المالية العالمية وما أحدثته من خلل في مستوى معيشة الأفراد والعائلات، خاصة أنه مجتمع غالبيته العظمى من الشباب، حيث "لا توجد أطر اقتصادية كافية تستقطبهم".
وتضيف أن ثمة عوامل سياسية وراء تزايد العنف من بينها "وجود الأردن في منطقة غير مستقرة، بالإضافة إلى كثرة مشاهد القتل والدمار فيها".
وتلفت أستاذة علم الاجتماع إلى أن المجتمع الأردني "ما زال في المرحلة الانتقالية من كونه مجتمعا قبليا يعتمد على العشائرية إلى الصيرورة إلى المجتمع المدني الذي لم يتطور تشكله بصورة واضحة بعد".
وزادت "هناك حالة من الفراغ، فالمجتمع لم يتخل عن العشائرية التي لم تعد تقوم بكافة أدوارها، ولم يتحول إلى المجتمع الذي يقبل كافة قواعد المجتمع المدني".
 
مسؤولية الحكومة
 
وهناك من يرى ان الدولة تتحمل مسؤولية العنف الذي جرى "جراء رعايتها للقبلية التي تحولت بعض أشكالها إلى تقويض سلطة القانون". لكن الكاتب والمحلل سميح المعايطة يرد على تحميل العشائرية مسؤولية ما يجري بالإشارة إلى "أن العادات العشائرية هدفها تهدئة النفوس وتطييب خواطر أهل القتيل دون أن يكون ذلك بديلا عن سلطة القانون".
وتابع بالقول إن "العادات العشائرية تعمل بموازاة سلطة القانون، وما تقوم به يكون بعد وقوع الجريمة، وغالبا ما تفضي إلى الصلح بين الأطراف وهذا أمر يساعد سلطة القانون".
ونبه المعايطة إلى أن الروابط الاجتماعية كلما ضعفت زاد العنف في المجتمع، وأن المشكلة تكمن في تغير مجموعة القيم والأخلاق والعادات، وعدم وجود القانون الحازم في كثير من الأحيان، مستبعدا الأسباب الاقتصادية لظواهر العنف الاجتماعي بالأردن.
ويذهب إلى اعتبار ما جرى في الأردن الشهر الماضي "أحداثا عادية، والجديد فيها هو تزامنها والتركيز عليها من قبل وسائل الإعلام".
ويتفق معه نقيب المحامين أحمد طبيشات على أن ما شهده الأردن "ليس ظاهرة جديدة وإنما مجموعة أحداث وقعت في وقت واحد".
وشارك طبيشات في "الصلح" بين عشيرتي المومني والصمادي في محافظة عجلون إثر موجة عنف غير مسبوقة اندلعت بعد مقتل شاب على يد صهره السابق.
وقال إن النصوص القانونية رادعة وكافية، وأضاف انه "في حالة القتل العمد ينص القانون على إعدام القاتل، وفي حالة القتل القصد ينص على السجن المؤبد".
 
عادات إيجابية
 
ويرى أن العادات العشائرية "فيها الكثير من الإيجابيات التي تفضي إلى تهدئة النفوس"، لكنه يرى أن عادة "الجلوة العشائرية" فيها "ظلم كبير لكونها تحمل أقارب القاتل مسؤولية ما فعله فرد واحد".
و"الجلوة" مفهوم يلجأ إليه القضاء العشائري ويقوم على ترحيل أقارب القاتل من روابط الدم الأولى عن المنطقة التي يقيم فيها أهل القتيل.
وبرأي طبيشات فإن أبرز ما كشفته حوادث العنف الاجتماعي في الأردن مؤخرا هو ضرورة تأهيل الناس للانتقال إلى المجتمع المدني والاحتكام إلى سلطة القانون، مع الإبقاء على العادات العشائرية الحميدة التي "تحقن دماء الأبرياء وتوقف موجات الثأر". وقد دفع ارتفاع معدلات الجريمة خلال الفترة الماضية، الصحافة المحلية إلى متابعة تلك الظاهرة عبر الرصد والتحليل.
ونقلت صحيفة يومية، عن مصدر قضائي، لم تسمه، قوله إن "تجميد عقوبة الإعدام وترويج معلومات عن إلغائها تماما أنهى الردع العام لدى العديد من الناس، وشجع البعض منهم على ارتكاب جريمة القتل في ظل ضعف الوازع الديني وانهيار المنظومة الأخلاقية لدى مرتكبي الجرائم".
وتقود عدد من المنظمات الأهلية ، حملة لمناهضة عقوبة الإعدام في البلاد، وألغائها، باعتبارها نوعا من أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، بحسب ما يرون.  منبر الرأي