صحيفة العرّاب

مروان المعشر يفتح النار على رموز الدولة "ويدافع" عن طاهر المصري

 - تذكّرني التطورات الأخيرة في بلدي، بنكتة مشهورة حول شخص ما فتئ يُصلي أن يربح اليانصيب، لأن أحواله ليست على ما يرام، ويحتاج إلى مال يخرجه من أزمته. وبعد سنين من الصلوات من دون أن يستجاب لدعواته، أشار عليه أحد أصدقائه أنه ربما من الحكمة أن يشتري ورقة يانصيب على الأقل، إن كان يأمل أن يكون من الرابحين. ليس من السهل قراءة الرسالة التي تبعث بها الدولة الأردنية حين تُقصي طاهر المصري عن مجلس الأعيان، وتأتي بمجلس يغلب عليه عنصر المحافظة، ويبدو غير منسجم مع مواقف جلالة الملك المتكررة حول ضرورة الإصلاح، وعدم إمكانية الرجوع إلى الوراء على صعيد العملية الإصلاحية في هذا البلد الحبيب. ولا يتعلق الموضوع بشخص طاهر المصري؛ فليس هناك من مناصب مخلدة لشخص. ولكن الموضوع بات يتصل بمن يعلق جرس الإصلاح داخل الدولة إن استمر مسلسل خروج من ينادي بالإصلاح منها، وليبقى داخلها بشكل عام من لم تُعرف عنه توجهات إصلاحية، حتى لا نقول أكثر من ذلك.كيف نعيد الثقة للمواطن العادي مع وجود شعور عام بأن الدولة لم تعد تتسع لفكر أمثال طاهر المصري؛ وهو ابن النظام وخادمه الأمين، والحائز على ثقة قطاع واسع من مختلف فئات المجتمع، من شتى المنابت والأصول؟ يصعب على المرء فهم الرسالة. ولعل هناك أسبابا موضوعية، ولكن صمت الدولة يفتح الباب أمام اجتهادات مشروعة في هذا السياق.وإن كانت الدولة لا تتسع لشخص من طراز طاهر المصري، فلمن تتسع؟ هل المطلوب أن يكون كل من يعمل في الدولة "صم، بكم، عمي"؟ هل المطلوب أن يوافق كل من يعمل في الدولة على كافة القرارات، من دون سؤال أو استفسار أو انتقاد؟ هل يُلفظ كل من يخالف بعض قرارات الدولة من داخلها خارجا، ليصبح كل من داخل السلطة نسخا كربونية تبصم ولا تفكر، تمجد ولا تنتقد؟ ما معنى أن لا تكون المعارضة الإسلامية ممثلة في "الأعيان"، ولو بشكل ضئيل على غرار المجالس الماضية؟ من المشروع أن يسأل المواطن: من يفترض أن يقوم بهذا الإصلاح التي تتحدث عنه الدولة، من داخلها؟ ليت الدولة كانت حاضرة في بيت طاهر المصري في الأيام الماضية (وأغلب الظن أنها كانت)، حين أتت إليه وفود عدة؛ ليست فقط من المتملقين الذين يقتلون الشخص ثم يمشون في جنازته، ولكن من الناس العاديين، وخاصة من الجيل الجديد الذي لا تعرفه الدولة ولا تتحاور معه لأنه يبدو أنها لم تعد تجيد إلا محاورة نفسها. ليت رموزها سمعتْ ما سمعتُه أنا من الوفود الشبابية التي أتت من مدن أردنية عدة، ومن ضفتي النهر. كلها حائرة؛ كلها تدين بالولاء للأردن وقيادته، ولكنها ما عادت قادرة على فهم الرسالة، أم أنها فهمتها بشكل واضح؟ لست ممن يعتقدون أن طاهر المصري خرج لأصوله الفلسطينية. وقد حان الوقت لوضع هذه التصنيفات الرجعية جانبا. فكلنا أردنيون طالما حملنا الجنسية الأردنية، وكلنا متساوون في الحقوق والواجبات؛ لا نرغب في تصنيفات تقسم الأردنيين، وما كان طاهر المصري إلا جامعا لهم. ولكن في غياب تفسيرات أخرى، فإن العديدين يعتقدون أن المصري أُقصي لآرائه الإصلاحية، وهذا هو الأخطر والأكثر ضررا؛ لأن الموضوع لا يتعلق بشخص قدر ما يتعلق بنهج. قد لا يكون مجلس الأعيان العنوان الرئيس للعملية الإصلاحية في البلاد، ولكن تركيبة المجلس الجديد تعكس فكر من يسيطر على عملية صناعة القرار داخل الدولة. وهو فكر لا أملك إلا أن أصنفه اليوم ضمن خانة الإقصائية والمحافظة القاتلة؛ فكر لا يريد قراءة ما يجري من حولنا قراءة متأنية بعيدة عن المكاسب قصيرة المدى، ولا يرغب في وضع اللبنات الضرورية لبناء مجتمع مستقر مزدهر تعددي، أكثر مما يرغب في المحافظة على امتيازاته على حساب الوطن. هل نشتري ورقة اليانصيب على الأقل؟ لقد جنبنا الله ما تعرضت له دول كثيرة في المنطقة من اضطرابات وحروب. ولعل في ذلك أبلغ درس بأن نستغل ما لدينا من استقرار ووقت وإجماع على القيادة الهاشمية، للتخطيط الجاد الذي يؤدي إلى إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية، تقود في نهاية المطاف إلى نمو مستدام معتمد على الذات، ومجتمع يحترم التعددية السياسية والدينية والثقافية ويحتفي بها. ما أكثر ما تغنّينا بأننا نفعل ذلك، وما أكثر ما دلت النتائج والأفعال على الأرض بأن المستحوذين على عملية صنع القرار لا ينوون التقدم بأكثر من خطوات سلحفائية، لا تتماشى مع التحديات الراهنة! بات من الواضح أن تقدّمَ الإصلاح في الأردن لا يجوز أن يرتبط بالشخوص، قدر ارتباطه بتطوير قوى سياسية شعبية، تعمل على الأرض لعقود من الزمن. فلا يمكن التأثير على عملية صنع القرار إلا من خلال تأطيرات سياسية تتحاور مع الناس، وليس مع بعضها بعضا، وتقدِّم فكرا سياسيا واقتصاديا فيه حلول واضحة للتحديات التي تواجه البلد، وتكون مستعدة للعمل الشاق والطويل لتحقيق ذلك. الإصلاح الجاد عماده الأطر المنتخبة، وليس تلك المعينة. عدا ذلك، ستبقى العملية الإصلاحية مرهونة بقوى داخل الدولة أشار إليها جلالة الملك في أكثر من مناسبة، لا تريد الإصلاح ولا تعمل من أجله، وتقف سدا منيعا أمام أي جهد جاد في هذا المجال.*نائب الرئيس لشؤون الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام بواشنطن العاصمة