صحيفة العرّاب

(الفساد دمر سمعة الادارة الاردنية) .. الأتصالات , البوتاس , العبدلي , القيادة العامة , الكهرباء , الملكية , العقبة , واشياء اخرى ...

 النائب علي السنيد - بمناسبة ميثاق النزاهة الوطنية، وحتى لا تكون النزاهة مواسم يخاطب بها الاعلام ، ومناسبة نجتر فيها شعاراتنا البراقة، وخاصة ان يكون راعي النزاهة الحكومة ، والتي وكأنها تطالب الشعب، وقواه السياسية ومنظمات المجتمع المدني ان يكون نزيها، وتضع نفسها ، وربما الخط السياسي قيما على النزاهة 


وحيث يقولون أن الفساد في الأردن ليس منظما، ولا مستشريا، ولم يأخذ صفة الشمولية على مستوى الإدارة الأردنية، وإنما يعبر عن حالات فردية، وكذلك لم يتخذ صفة تهديد الناس في حياتهم، وأرزاقهم، بالرغم من وصول الفساد حتى الأكشاك التي أعطيت ذات يوم للفقراء في أمانة عمان ، والتي وزع بعضها على الواسطة، والواسطة هي عمليا فساد مقبول اجتماعيا تعمل ضد الفقراء، حيث الفقراء غالبا لا واسطة لهم، وبذلك احدثت طرائق عديدة للتعيين، وعلى فئات متعددة استرضاءا لتدخلات اعضاء الطبقة السياسية ولغايات انتخابية بحتة، وافشلت العدالة المتمثلة باخذ صاحب الدور حقه في التعيين. 

والترقيات في الوزارات، والاجهزة الأمنية غالبا لا تراعي الكفاءة والاقتدار، وإنما تخضع لتدخلات السياسيين لصالح فلان، وضد علان، مما وضع موازين الظلم في الإدارات الأردنية فتجد أن حظوظ الأذكياء، ومن يعطون أكثر معدومة، وارتقى الأغبياء إلى الصفوف الأولى حتى لننسجم مع شعار الدولة في العالم الثالث التي يحكمها الأغبياء، ولذا يكون شعار الإصلاح الإداري واجبا في هذه الحالة. 
 
وبيوت الفقراء وزعت على الواسطة احيانا تلك الآفة التي امتدت الى موظفي بعض الدوائر الذين تغيرت بهم الأحوال، وطالت الرشاوي بعض مديريات الأمن العام، ووزراء سابقون لم يمض احدهم صرف سنة واحدة - وفقا للعمر الافتراضي للحكومات الأردنية- فيخرج وعنده بيت محاط بمزرعة بعدة آلاف من الدونمات من أراضي الدولة، ويتم زراعتها بمساعدة موظفي مديرية الزراعة التابعة لمنطقته، ويصار إلى إيصال الشارع لها بخلطة إسفلتية مميزة وإضاءتها في حين تفشل عشرات القرى البائسة في إقناع الحكومات بحاجتها إلى البنية التحتية، ومنها الماء الذي ما تزال محرومة منه قرى أردنية تسقى بصهاريج مديريات المياه. 
 
ومضى الفساد من الخط المدني الذي شمل المؤسسات المستقلة، والمديريات والوزارات إلى حد تأسيس شركات خاصة بالمؤسسة الامنية التي كان يجب أن تكون سمعتها بعيدة عن التلاعب ، والى ذلك يقول رئيس وزراء اسبق أنهم يقترحون على الملك المشاريع وهو يبادر إلى إعطائهم الموافقة إلى أن يظهر الخلل، وتجد الفاسد يحتمي من خلال وجود تواقيع كثيرة على أعماله تطال شخصيات كبيرة مما يحول دون فتح الملف خوفا من انتشار الفضيحة، وقد شارك بالفساد بعض مدراء المخابرات العامة، وتم تحويل احدهم إلى القضاء وحوكم اسميا. 
 
والى ذلك أصبحت رائحة الفساد تزكم أنوف الملايين في الدولة، وذلك بالرغم من القوانين التي تمنع نشر قصص الفساد أو تداولها إعلاميا، فضلا عن تعطل قانون (من أين لك هذا) الذي اقترحته حكومة الرئيس احمد عبيدات وتم تجميده في أكثر من مجلس نيابي، ليستبدل بقانون إبراء الذمة المالية، واليوم يحل بمكانه قانون منع الكسب غير المشروع الذي اقره البرلمان وما يزال متدوالا لدى الاعيان. 

إلا أن حديث الفساد توسع، ودمر سمعة الادارة الاردنية، وباتت عملية بيع المؤسسات العامة بأسعار زهيدة مادة دسمة لاتهام الدولة بالفساد، ذلك أن القيمة الدفترية التي بيعت بها المؤسسات والأراضي لا يعقل أن تتطابق والقيمة الحقيقية لها ، فلا يكاد احد يصدق أن اعطاء رخصة شركة أمنية مثلا بعدة ملايين من الدنانير لتباع بعد سنة بمئات الملايين، وهذه مسطرة يمكن أن يقاس عليها بيوعات المؤسسات العامة بدءً من شركة الاتصالات، و شركة البوتاس العربية وشركة الاسمنت ، وشركة الكهرباء، وميناء العقبة، والملكية الأردنية، وليس انتهاء بأراضي العبدلي والقيادة العامة . فلا بد - كما يشاع- من أن هنالك عمولات ، وسمسرة سهلت تحويل كل أو نسبة من هذه المؤسسات العامة التي أنتجها الشعب الأردني عبر عشرات السنين إلى أملاك خاصة ولشركاء أجانب، وقد جاءت في سياق ما أطلق عليها الخصخصة، وتسهيلات جذب الاستثمار الأجنبي، وقد اقتضت مثل هذه العملية الكبيرة من التحول الاقتصادي الا تخضع للرقابة الشعبية كونها تتعلق بعملية مالية كبرى فجرى تفصيل مجالس نيابية وفق قوانين انتخابية سيئة لتكون غير قادرة على ممارسة الرقابة الشعبية على عملية الحكم، وقد أسفرت هذه العملية عن تخسير الشعب الأردني ممتلكاته العامة وإثراء آلالاف من خلفها رغم ما يقال أن الاتهامات التي تلقى اعتباطا على الشخصيات العامة لا تجد لها دليلا يذكر ،
 
 وأنا هنا أورد بعض أقوال مسؤولين سابقين في هذا الصدد – مع التحفظ عن ذكر اسمائهم - فقد جمعني قبل سنوات لقاء مع احد رؤساء الديوان الملكي، وقد استفزته إشارة أبديتها لاتهامات تطاله بفساد برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والذي كما يقال انه كلف الدولة الأردنية نحو اربعمائة مليون دينار ، وبالمناسبة هذا البرنامج عني بعمل مشاريع مناطقية تبعا للرغبة الملكية بتنمية الريف والقرى، وما يطلق عليها اليوم بالهوامش، فعملت مشاريع تتناقض مع الطبيعة الإنتاجية للمناطق المراد تنميتها وتمكن البرنامج من أن يلحق الفشل التنموي بالريف الأردني فقد كانت المشاريع على شاكلة هزلية من مثل زراعة فستق حلبي في قرية برزا بلواء ذيبان مكلفا ربع مليون دينار، ومشاريع زراعة الورد، وتربية النعام بمئات الآلاف من الدنانير لكل مشروع، والتي لم ينجح منها مشروع واحد، وقد وصل حد التلاعب بالرغبة الملكية أن مشروعا من هذه المشاريع – كما اخبرني موظف مسؤول في حينه - دعي الملك لافتتاحه، وكان بئرا ارتوازيا في إحدى المناطق طلب حفره لتحويلها إلى الزراعة المروية قال لي الموظف " لقد تم بناء فوهة تشبه فوهة البئر الارتوازي وماسورة قامت بإخراج الماء حالما فتحها الملك، وهي في الأساس ماسورة عادية تم إيصالها للموقع من مكان قريب ولم يكن هنالك بئرا ارتوازيا ولا غيره". اشتط معالي رئيس الديوان وقال : "أنا يتهموني بالفساد يدوروا على فلان الذي سرق اربعمائة مليون دينار من الموازنة"، وكان المقصود احد اعلام السياسة، والذي شغل رئيسا للوزراء لمرتين، ورئيس مجلس أعيان سابق. 
 
وهذا الرئيس المقصود لا يخفى أن والده الرئيس من قبله مات مديونا لاحد البنوك، وهو لم يرث عن أهله شيئا، وعمل طوال حياته في الحياة العامة، وفعلا تبلغ ثروته مئات الملايين، وقد كادت لجنة محاربة الفساد في برلمان 89 أن تودي به إلى السجن إلا أن ما جرى أن رئيس اللجنة دخل السجن، وحكم بالإعدام، ونجا هو من أي محاسبة. 
 
ومما يشاع حوله على لسان مسؤولين سابقين أيضا انه إبان توليه زمام المسؤولية التنفيذية في الثمانينات من القرن الماضي في آخر حكومة شكلها زار المملكة العربية السعودية وعاد، وكانت السعودية تعطي الأردن بعض المساعدات دون أن تعلن عن ذلك بشكل رسمي كون السودان كان يطلب مساعدتها، وكذلك الصومال ، وبعد مدة قام الملك الراحل الحسين رحمه الله بزيارة إلى السعودية فاخبره خادم الحرمين الشريفين في حينه بمنحه قدمتها المملكة السعودية للأردن ومقدارها خمسة ملايين دينار، وهو ما كشف عن إخفاء رئيس الوزراء آنذاك لها، وهذا ما أدى إلى إقالته في غضون انتفاضة شعبية نادت بذلك. 
 
ولا شك أن فسادا شاب منح النفط العراقية، وكذلك منحة النفط الكويتية، وعطاءات أمانة عمان وتحويل المشاريع إلى شركات زوجات المسؤولين، فضلا عن ملف وزارة التموين التي كانت تحتكر 80 مادة غذائية تمنع التجار من استيرادها، وتحصل على سبعين مليون في الموازنة – آنذاك- كدعم لهذه المواد المربحة، والتي كانت تدر دخلا بمئات الملايين على جهات غير مرئية. 
والوزراء الذين اثروا وبنو القصور معروفون لكل أردني، ناهيك عن التي جاءت في إطار الهدايا والبيوت التي وزعت على مسؤولين سابقين في الدولة ومنها بعض القصور التي ارتبط أسماء أصحابها بها، وشقق حصلت عليها المدلكات ، وبعض العاملين في القصر، فضلا عن اراضي الخزينة التي وزعت على الذوات دون ثمن. 
 
والفساد يندرج إلى استغلال المنصب، والنفوذ والذي يبدأ من حظوة المحاسيب والأقرباء والشلل، وسفرات الموظفين ومياوماتهم، والعقود، والمستشارين وصولا إلى توريث الأبناء، أو تعينهم بالمؤسسات المستقلة براتب يزيد عن الفي دينار شهريا منذ التخرج، ناهيك عن إجراء الصفقات، وقد اخبرني وزير زراعة اسبق أن ضغوطا مورست عليه من فوق لصالح السماح لاحد الكبار بإتمام صفقة تتمثل بإدخال أغنام من العراق تقدر ب 27 ألف رأس لإعادة تصديرها لحسابه لإحدى دول الخليج رغم عدم مطابقتها لشروط الإدخال إلى الأراضي الأردنية، وإمكانية نقلها أوبئة إلى قطاع الثروة الحيوانية الأردنية، وفعلا جرت الصفقة وربح فيها سيادته عشرات الملايين، ولأن الشيء بالشيء يذكر فان السوق الاردني كان يغرق بمواد استهلاكية ضارة صحيا غير مطابقة للمواصفات والمقاييس بسبب تدخلات الكبار لصالح محتكري استيراد هذه المواد، وما تزال المؤسسة في حالة صراع لحماية السوق المحلي منهم. 
 
ومن الفساد تحويل عطاءات المشاريع الخاصة بالدولة إلى شركات بعض الوزراء . 
 
إما فساد حملات الخير والبر فهي معروفة لدى من يعملون بهذا الإطار والرؤوس الكبيرة التي كانت تستفيد منها. 
واختم بهذه القصة التي اطلعت عليها بنفسي ومفادها أن فقد في احدى المديريات مواد مكتبية ، ويتهم بها الحارس، وفعلا تحدث المداهمة لبيته المستأجر، والذي لا يزيد عن غرفتين ومرحاض، ويتم إلقاء القبض عليه متلبسا بها، ويجري تحويله إلى القضاء، ويقضي عدة ليالي في سجن الجويدة حتى تكفيله، ثم يخضع للمحاكمة، ويصدر الحكم بسجنه لمدة سنة. 

وقد استجداني احد الآباء أن اكتب قضية ابنه الذي تمكن من الحصول على التعيين إلا أن قيدا لدى إدارة المعلومات الجنائية في الأمن العام يمنعه من العمل، وذلك على خلفية اتهامه وهو صغير بسرقة "زوجي حمام" من خم جارهم، والذي أوصلها للمخفر، وظلت قيدا في حق ابنه الذي توقف مستقبله بسبب هذا القيد. 

النائب علي السنيد