صحيفة العرّاب

خبراء: لم يعد في حوزة الحكومة مشاريع للخصخصة تسد عجز الموازنة وتقلص المديونية

مع ارتفاع الدين العام إلى أرقام غير مسبوقة ووصوله إلى 9354.1 مليون دينار بنسبة 57.7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، بحسب بيانات وزارة المالية لنهاية شهر آب الماضي وارتفاع العجز في الموازنة المقدرة للعام 2010 والذي من المتوقع أن يبلغ نحو 685 مليون دينار، لا يمكن أن يكون بمقدور الحكومة اللجوء لخصخصة مشاريع لسد تلك الثغرات الاقتصادية، بحسب خبراء.

ولفت هؤلاء الخبراء إلى أن برنامج التخاصية بحد ذاته لم يكن ناجحا، حتى وإن واكب برامج التصحيح الاقتصادي، كون ملايين الدنانير التي جنتها الحكومة من الخصخصة، سدت عجز الموازنة في ذلك الوقت ولم يتم استثنمارها في مشاريع مجدية ليعود العجز من جديد، لكن هذه المرة بحسب تعبيرهم، لن تجد الحكومة ما تبيعه مستقبلا، بل سيبقى اعتماد الموازنة العامة على المنح والمساعدات لسد العجز على اعتبار أن معظم المشاريع تم بيعها، بحسب الخبير الاقتصادي محمد البشير، الذي أكد أن الهدف من الخصخصة هو تقليص الدين العام وسد العجز في الموازنة ورفع كفاءة الموارد البشرية.
  
وأضاف البشير أن الذي حصل هو عكس ذلك تماما، مشيرا إلى أن الدين العام في تصاعد والعجز مازال باقيا. ولم يعد بيد الحكومة ما تبيعه لزيادة الايرادات العامة للخزينة، ففرضت المزيد من الضرائب على المستهلكين كونها الخيار الأسهل والمتوفر، ومزيدا من التخفيضات الضريبية على الأغنياء الذين من المفترض أن ترتفع عليهم -بينما تنخفض على الفقراء- لزيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة التحصيل الضريبي.
 
الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال إن الخصخصة تعتمد على تقليص دور الحكومات في دعم السلع والخدمات من خلال بيع مؤسسات القطاع العام، لافتا إلى أن الحكومات المتعاقبة باعت المؤسسات الرابحة والتي ترفد الخزينة العامة للدولة، وحصلت من خلال بيعها على ايرادات بلغت قرابة نحو 2.5 مليار دينار، أنفقتها لشراء بعض الديون في نادي باريس، وعلى بعض المشاريع غير الإنتاجية والبنى التحتية.
 
وأشار عايش إلى أن الحكومة لم يعد بحوزتها ما تبيعه لسد العجز القائم في الميزانية، مشيرا إلى أن برامج الخصخصة طبقت بشكل خاطئ، ولم تنفق أموال الخصخصة على المشاريع الانتاجية التي تحقق ايرادات للخزينة العامة للدولة وتدر دخلا إضافيا للحكومة.
 
وقال: "كان يجب أن تخصخص المؤسسات التي تعاني من مشاكل.. وليست المؤسسات الرابحة والتي تحقق ايرادات للخزينة".
 
ولفت إلى أن الخصخصة لم تكن متزنة ومدروسة، موضحا أنه تم بيع مؤسسات استراتيجية ورابحة والتوقعات كانت تشير إلى تزايد أرباحها، تحت مسميات الشريك الاستراتيجي.
 
واعتبر الخبير الاقتصادي غسان معمر، أن مشاريع الخصخصة هي أحد أهم الأسباب الرئيسة في التردي الاقتصادي، من خلال بيع الشركات الاستراتيجية لمستثمرين أجانب، وإهدارها ايرادات كبيرة كانت تعود للخزينة.
 
وأشار إلى ضرورة إعادة الاعتبار للقطاعات العامة، وإعادة رسملتها وتوطينها بالداخل، وأن تصبح مملوكة لرؤوس أموال محلية وليست أجنبية، عن طريق إعادة النظر ببرنامج الخصخصة، باعتبار أن المواطنين أولى من الأجنبي بإدارة بلادهم وإصلاح الخلل القائم في الاقتصاد الوطني.
 
وقال معمر: "الحكومات المتعاقبة فشلت في إدارة مشاريعها الاقتصادية".
 
بيد أن البشير، أشار إلى جملة من الأسباب ساهمت في التردي الاقتصادي المتمثل في عجز الموازنة وارتفاع الدين العام ووصوله إلى أرقام قياسية، مشيرا إلى أن غياب الرقابة وعدم المحاسبة على أداء الحكومات، في ظل غياب دور فاعل لمؤسسات المجتمع المحلي، وعدم قيام مجلس النواب بدوره التشريعي والرقابي، هي من ضمن أسباب التردي الاقتصادي القائم.
 
وأضاف أن إنشاء المؤسسات والهيئات المستقلة، التي كان الغرض من تأسيسها المساهمة في الحد من عجز الموازنة، والتي بلغت نحو 60 مؤسسة وهيئة مستقلة، أصبحت عبئا على الموازنة من خلال الرواتب التي منحتها لطوابير من الموظفين والمستشارين، في حين بلغت ميزانياتها نحو 2 مليار دينار، وأسهمت في تحقيق ايرادات تقارب الـ 1.5 مليار، بعجز وصل لما يقارب الـ 500 مليون تحملتها الخزينة.
 
وقال البشير: "وصول ودائع الاردنيين لنحو 20 مليار دينار دليل على فشل السياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، بسبب غياب الضريبة المتصاعدة".
 
ويرى البشير، ضرورة إصلاح النظام الضريبي، من خلال إخضاع أرباح الأغنياء لضريبة دخل متصاعدة وتخفيض ضريبة المبيعات على المستهلكين للمساهمة بتحقيق المزيد من القوة الشرائية عند المستهلكين، وبالتالي تحقيق مزيد من الايرادات.
 
عايش أكد، ضرورة إدارة المؤسسات التي تعاني من الفساد والترهل بطريقة القطاع الخاص لتحقيق المزيد من الايرادات للخزينة ولوقف الهدر المالي المتمثل بالفساد والترهل الوظيفي، مشيرا إلى بعض الذين جاءوا على شكل خبراء وأصبحوا يتحدثون عن مآثر الخصخصة، موضحا في الوقت ذاته، أن الخصخصة عبارة عن فلسفة اقتصادية لها أهداف سياسية، طرحت إبان حكم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغرت تاتشر لمواجهة الاتحاد السوفييتي، ولتعزير الرأسمالية العالمية والهيمنة الغربية.
 
ودعا الحكومة إلى مراجعة سياساتها الاقتصادية وإلى إعادة النظر في برامج التصحيح الاقتصادي والخصخصة، التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة في خطوة منها لسد عجز الموازنة وتقليص الدين العام وتطوير أداء المؤسسات، كونها -بحسب عايش- لم تنجح في تقليص الدين العام ولم تثمر في سد العجز القائم في الموازنة ولم تسهم في تحقيق النمو المطلوب ولم تحقق الرخاء الاقتصادي للمواطن الأردني.
 
ولفت إلى أن الهدف من الخصخصة هو ليس بيع القطاع العام وإنما تحسين أدائه، داعيا في ذات الوقت إلى تعلم الدروس من الأزمة المالية العالمية بعدم ترك الاقتصاد للسوق وضرورة تدخل الحكومات لضبط الأسواق ومنع الاحتكار.
 
وأصدرت الحكومة بلاغ الموازنة للعام 2010 وبلغ إجمالي النفقات العامة نحو 5565 مليون دينار، مقارنة مع 6155 مليون دينار بانخفاض مقداره 590 مليون دينار.
 
وبين مدير عام دائرة الموازنة الدكتور اسماعيل زغلول، أن النفقات العامة توزعت بواقع 4553 مليون دينار للنفقات الجارية و1011 مليون دينار للنفقات الرأسمالية.
 
وفي جانب الايرادات قال إن الايرادات العامة بلغت 4880 مليون دينار موزعة بواقع 4445 مليون دينار للايرادات المحلية و435 مليون دينار للمنح الخارجية.
 
وأوضح انه بمقارنتها بأرقام اعادة التقدير، فإن الايرادات العامة ارتفعت بمقدار297 مليون دينار أو ما نسبته 6.4 في المئة عن مستواها المعاد تقديره للعام الحالي. وقدر زغلول عجز الموازنة العامة متضمنا المنح الخارجية للعام المقبل بحوالي 685 مليون دينار من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة مع عجز يتوقع ان يبلغ 1178 مليون دينار أو ما نسبته 7.3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للعام الحالي.
 
وأكد ان مشروع موازنة العام المقبل راعى تحقيق الاستدامة في الاستقرار المالي والنقدي في المملكة وحفز النشاط الاقتصادي بالتركيز على المشروعات الرأسمالية المولده للدخل والموفرة لفرص عمل جديدة ومتجددة، وذلك في ضوء ما يجري على الساحة العالمية من تطورات ومستجدات جراء الازمة المالية والاقتصادية العالمية.السبيل