صحيفة العرّاب

المؤرخون يتساءلون كيف ومتى قدمت مصر 100 الف شهيد لفلسطين؟

 في كلمة متلفزة ألقاها بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما وصفها بـ'مزايدة' البعض على دور مصر مع الأشقاء في فلسطين أو على الصعيد العربي كله، قائلا: “محدش (لا أحد) يقدر (يستطيع أن) يزايد على موقف مصر”، مضيفا إن “مصر قدمت للقضية الفلسطينية 100 ألف شهيد، وأكثر من ضعفهم 
من المصابين والجرحى على مدار تاريخ القضية'.

مبدئيا لا نعرف من اين جاء السيسي بالـ 100 الف شهيد الذي يزعم ان بلاده قدمتهم للقضية الفلسطينية، عموما، وبما أن الجنرال صاحب النبرة الناعمة والرومانسية، ذكرنا بتاريخ بلاده وما قدمته للامة العربية ولفلسطين، فالتاريخ بالتاريخ يذكر.

اذ لا تمل النخب المصرية وجوقة الاعلاميين او الاذرع الاعلامية كما يطلق عليها السيسي، من ىالتباهي طول الوقت بتاريخ وعراقة بلادهم وقوة بأس جيشهم، وما قدموه للقضية الفلسطينية من تضحيات كما خرجت بعض الاصوات التي تعلق ما تعانيه مصر من فقر وجهل وبطالة وامية وعجز اقتصادي على شماعة القضية الفلسطينية الى ان تحولت مشاعر الفخر بدور مصر تجاه فلسطين الى مشاعر كراهية وعنصرية ضدهم.

ويبدو ان المصريين اختلقوا الكذبة وصدقوها ، فعن اي تاريخ يتحدثون وبأي جيش يتباهون ؟.

السيسي وجوقته الاعلامية ونخبة البلاط الرئاسي المثقفة، نسيت او تناست ،عن جهل او بقصد ، لا يهم فالامر سيان، أن التاريخ المصري على مدار 7000 عام اي منذ الفراعنة وحتى انقلاب يوليوى عام 1952 لم يشهد حكما مصريا خالصا ، حتى في عهد الخلافة الاسلامية فان جميع من حكموا مصر في تلك الحقبة من غير المصريين وظل المصريون تاريخيا يقادون ولا يقودون، فاقتصر دورهم على خدمة الحضارات التي مرت على بلادهم، واكتفوا بمراقبة خيرات بلادهم وهي تذهب لغيرهم وهم عاجزون صاغرون.

وحين قرر المصريون ان يحكموا انفسهم بأنفسهم والانقلاب على حكم الدخلاء لبلادهم، ماذا كانت النتيجة؟ بامكان اي مراقب محايد ، ان يحسم الفرق الشاسع بين مصر الملكية ومصر الجمهورية، فبعد ان كان الملك فاروق ( الالباني الاصل ) يقرض دولا عظمى كبريطانيا بما يعادل 29 مليار دولار في الوقت الحالي، اصبحت مصر من الدول التي تعتمد في اقتصادها بصورة اساسية على المعونات والمنح والمساعدات الخارجية، وبعد ان كانت مصر الملكية تتفوق على اليابان والهند ودول اوروبية عديدة، اصبحت مصر الجمهورية في 2014 تزاحم الدول الفاشلة .

وللصحافة من بوحنا هذا نصيب، ولجوقة الطبالين والراقصين على دف النظام والحان الكيان الصهيوني ، نقول ، لطالما عايرتم الصحافة العربية بأن من عندكم انطلقت الصحافة الى العالم العربي ، وهي نصف الحقيقة، أما النصف الاخر الذي يحاول البعض محوه، فهو ان الفضل لا ينسب لكم اذ ان اقدم صحيفة عربية اصدرها محمد علي باشا ( الالباني) عام 1828 واطلق عليها اسم الوقائع الوقائع المصرية التي كانت صفحتها تقسم طولياً لنصفين أحدهما بالتركي 'العثماني' والثاني بالعربية، حتى صحيفة الاهرام العريقة التي ترأس تحريرها مهندس هزائم الجيش المصري في القرن الماضي ، ومهندس انقلاب 2013 محمد حسنين هيكل فقد اصدرها الاخوان اللبنانيان سليم وبشارة تقلا في عام ١٨٧٥ولم يكن مصريا .

وبالعودة الى تاريخ بطولات الجيش المصري وتضحياته من اجل القضية الفلسطينية، نلفت الى ان التاريخ لم يسجل بين سطوره، انتصارا حقيقيا للجيش المصري، ( باستثاء الجيوش الاسلامية) فكل الجيوش على مر التاريخ التي قررت دخول مصر ، حققت مرادها ، حتى ان نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية الذي لم يجد صعوبة في دخول مصر، حين وصلت جيوشه الى حدود غزة ( كانت جزء من ارض مصر) قال مقولته الشهيرة 'الان فقط نحن نقاتل رجالا اخرين' فانهزم على اسوارها وتراجع .

اما في التاريخ الحديث فنذكر السيسي ان كل نكسات ونكبات وهزائم العرب في القضية الفلسطينية مرتبطة بالجيش المصري، وعندما نتحدث عن الجيش نقصد قادته حصرا، ففلسطين ما كانت لتسقط في يد العصابات اليهودية لولا هزيمة الجيش المصري عام 1948 ، والمفارقة ان مأرخين عزوا الهزيمة الى صفقة الاسلحة الفاسدة التي اشترتها حكومة النقراشي باشا في اطار استعدادها لدخول الحرب الا ان المتهمين بفضيحة الصفقة تمت تبرأتهم في 10 يونيو 1953 اي بعد قيام ثورة يوليو بحوالي سنة علما ان الضباط الاحرار وجدوا في فضيحة صفقة السلاح مبررا للانقلاب عن الملك فاروق .

وبعد ان انتهت حرب فلسطين فعلياً بهزيمة مصر و الدول العربية و استيلاء العصابات الصهيونية علي كل أرض فلسطين ما عدا قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس العربية، وهو أكثر بكثير مما كان مقرراً لليهود وفقاً لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، جاءت هزيمة الجيش المصري للمرة الثانية عام 1967 ، الا ان هزيمة الجيش هذه المرة لم تستغرق اكثر من 6 ساعات فقط.، فاستولت العصابات الصهيونية التي تحولت الى جيش لا يقهر ( امام الجيوش العربية فقط ) على المناطق التي تبقت من حرب 48 وهي قطاع غزة وسيناء من مصر والضفة الغربية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا.

أما الحرب التي يحتفل المصريون في اب \اكتوبر من كل عام بانتصار جيشهم فيها، فكانت نتيجتها استعادة قطعة من صحراء مصرية تدعى 'سيناء' مقابل التنازل عن ارض مباركة تدعى فلسطين.
حيث منح النظام المصري المنتشي بنصره ، الكيان الصهيوني حقا في اقامة دولة على ارض فلسطين التاريخية ، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم تقلصت مطالب العرب من تحرير فلسطين الى استجداء اعتراف صهيوني بحق الشعب الفلسطيني في الحياة على ما يزيد عن حاجة الكيان النازي من ارض فلسطين.

وفي 2014 ، شن الاحتلال الصهيوني عدوانا وحشيا ونازيا على قطاع غزة المحاصر منذ 6 اعوام، من قبل سلطات الاحتلال من جانب، والسلطات المصرية من الجانب الاخر ومع اتساع العدوان ودخوله يومه العشرين ارتقى خلالها اكثر من الف شهيد، واصيب 5700 شخص ،جلهم من الاطفال والنساء والمسنين، خرج علينا السيسي ، لا ليهدد حكومة العدو ويتوعدها كما فعل الرئيس المعزول محمد مرسي حين شن الكيان الغاصب عدوانا مماثلا عام 2012 ، بل خرج علينا بصوت ناعم وهادئ ليقول للفلسطينين بأن جيش مصر قدم 100 الف شهيد من اجلكم .. فكفاكم طمعا... واستمتعوا بالعدوان !!.

الحديث يطول في 'فضل' مصر على الامتين العربية والاسلامية اللتين تراجعتا قرونا الى الوراء من التخلف والجهل والفقر منذ تولي مصر قيادة الامة .

فمن قدم الشهداء والتضحيات لفلسطين عبر تاريخ الصراع هم ابناء الارض المقدسة ، وابناء الضفة الشرقية وجيشنا العربي المصطفوي، الجيش العربي الوحيد الذي انتصر على الكيان الصهيوني بعد عام واحد على هزيمة الجيوش العربية عام 1967 ، أما الـ100 الف شهيد الذين تحدث عنهم السيسي فهل من مؤرخ او شاهد على تاريخ فلسطين ان يوثق رواية السيسي !!

واذا فرضنا جدلا ان صدق رواية السيسي بخسارة مصر 100 الف شهيد في مواجهة عصابات الكيان الصهيوني، فهو اعتراف موثق من القائد السابق لجيش مصر، والرئيس الحالي لمصر بخسائر بلاده التي لم تلحق بالجيوش التي شاركت بالحربين العالمية الاولى والثانية، وهي فضيحة كبيرة لجيش يزعم انه قادر وجاهز للدفاع عن الامة العربية 'مسافة الطريق' !. 

خلاصة القول، لا نقصد الاساءة لمصر او لشعبها او حتى لجنودها فكلنا في الهم عرب ، بل هي تذكرة لمن اعمى الوهم بصيرته ، وظن أنه محور الكون متسلحا بتاريخ مزيف وانتصارات مهزومة حتى تجرد من عروبته ومن انسانيته، فلم يعد يمايز بين عدو وصديق ، وحق وباطل .... وغزة وتل ابيب، فاصبح عبئا على اخوانه وجيرانه ومعيقا لانتصارهم وتقدمهم بين الامم.

علها تنفع الذكرى.