صحيفة العرّاب

برنامج نتنياهو: تهديد إيران أولا.. فالأزمة الاقتصادية.. ثم السلام

تولى رئيس حزب الليكود اليميني، بنيامين نتنياهو، أمس، بشكل رسمي مهمة تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وصرح في الحال بأن جدول أفضلياته سيكون بتفضيل معالجة ما أسماه «خطر إيران والإرهاب» ثم وضع مهمة معالجة الأزمة الاقتصادية في إسرائيل الناجمة عن تفاقم الأزمة العالمية، ثم قضية السلام في الشرق الأوسط مع الفلسطينيين وسورية.

وقد وصفت تسيبي ليفني، رئيسة «كاديما»، حكومة نتنياهو كما تبدو من تركيبتها ومن تصريحات رئيسها أنها حكومة بلا طريق سياسي ستصل إلى الباب الموصود في القضايا الأساسية المهمة. وفيما توجه نتنياهو إلى ليفني والى رئيس حزب العمل، إيهود باراك، بالدعوة إلى الانضمام إلى حكومته لتكون حكومة وحدة وطنية وقال انه سيتوجه إليهما في المفاوضات الائتلافية قبل أي حزب آخر من حلفائه في اليمين وانه مستعد لدفع ثمن كبير مقابل انضمامهما، ردت ليفني أنها لا تستطيع الانضمام إلى حكومة يمين متطرف كهذه.
 
وقالت ليفني: «يوجد في إسرائيل ائتلاف يعتمد على تغييب الرؤية السياسية. بينما حزب «كاديما» يؤمن بضرورة العمل على التوصل إلى سلام يقوم على أساس «دولتين للشعبين» وبضرورة تغيير النظام الانتخابي في إسرائيل. وهاتان قضيتان مبدئيتان لا أتنازل عنهما في سبيل الكراسي». بينما رد الناطق بلسان حزب العمل بالقول إن حزبه يريد احترام إرادة الناخبين الذين أرسلوه إلى المعارضة.
 
ورأى المراقبون أن تصريحات ليفني هي بمثابة طرح نقاط للتفاوض مع نتنياهو وليس لرفض الانضمام إلى حكومته. فهي تحاول رفع سعر انضمامها إلى حكومته، حيث تعرف انه يحتاج إليها من أجل تجميل صورة حكومته في العالم من جهة ومن أجل ثبات ائتلافه في الكنيست من جهة ثانية. فمن دون حزب «كاديما»، سيقيم حكومة تستند إلى 65 نائبا من أحزاب اليمين المتطرف، الدينية والعلمانية، المتصارعة فيما بينها بشكل حاد. وحكومة كهذه ستصطدم حتما مع الأجواء العالمية الجديدة، التي نشأت في أعقاب فوز براك أوباما برئاسة الولايات المتحدة. وقد بدأ الأميركيون يرسلون التلميحات إلى نتنياهو بضرورة وضع برنامج للحكومة يتلاءم وسياستهم ومصالحهم في الشرق الأوسط. وتريد ليفني تضمين برنامج حكومة الوحدة، إن قامت، خطة مفاوضات سلام واضحة، خصوصا مع الفلسطينيين. وقد ألمحت أوساط مقربة من نتنياهو إلى انه مستعد لمنحها منصب القائمة بأعمال رئيس الحكومة ووزيرة الخارجية ومنح شاؤول موفاز من حزبها منصب وزير الدفاع، لإغرائها على الانضمام. وتقول مصادر مقربة من ليفني إنها في نهاية المطاف ستنضم لحكومة نتنياهو، أولا لأن هذه هي رغبة الولايات المتحدة وثانيا لأنها تخشى من أن يؤدي الجلوس في المعارضة إلى تفسخ حزب «كاديما» وعودة قادته القادمين من الليكود إلى أصلهم وعودة الباقين إلى حزب العمل.
 
وكان رئيس الدولة، شمعون بيريس، قد اجتمع صباح أمس مع كل من ليفني ونتنياهو، كلا على حدة وحاول إقناعهما بضرورة الوحدة، قائلا «إن القراءة الجادة والمعمقة لنتائج الانتخابات تشير إلى أن الجمهور الإسرائيلي يريد حكومة وحدة وطنية، تضم أحزاب الوسط الليبرالي من اليمين واليسار، وإبقاء المتطرفين خارج الصورة. وفي هذا مصلحة سياسية عليا لإسرائيل». ومع ذلك فإن لقاء قريبا سيجمع بين نتنياهو وليفني للتباحث في الموضوع.
 
إلى ذلك فان مشروع «السلام الاقتصادي» الذي يطرحه نتنياهو، كأساس للسلام مع الفلسطينيين، رفضته ليس فقط القيادة الفلسطينية، بل أيضا في الإدارة الأميركية.. فهم لا يهضمونه ولا يقبلونه. فقد نقل على لسان مبعوث الرئيس براك أوباما إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، انه قال أمام جمع من القادة اليهود الأميركيين، أول من أمس، انه «لا يمكن الحديث فقط عن السلام الاقتصادي من دون تطوير دبلوماسي. فالإدارة الأميركية ملتزمة بأمن إسرائيل وبإقامة دولة فلسطينية».
 
وحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، فإن الإدارة الأميركية أرسلت إلى إسرائيل عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة تقول فيها إنها تريد أن تسمع الحكومة الجديدة في إسرائيل تتحدث عن هدف إقامة الدولة الفلسطينية والامتناع عن التهرب من ذكرها. بل قالت هذه المصادر إن الإدارة الأميركية تنوي التوجه مباشرة إلى نتنياهو في هذا الموضوع وتطلب منه إعلان تأييده لمبدأ «دولتان للشعبين» وقالت إن هذا سيكون الامتحان الأول لعلاقات نتنياهو وحكومته مع الإدارة الأميركية في واشنطن.
 
المعروف أن نتنياهو كان قد خاض معركته الانتخابية لرئاسة الحكومة، في الشهرين الأخيرين، على أساس مبدأ يقول إن الفلسطينيين غير ناضجين لإجراء مفاوضات مع إسرائيل حول سلام دائم وشامل. وحسبما جاء في الموقع الخاص برئيس الحكومة المكلف، نتنياهو، في الانترنت، فإن الفلسطينيين ممزقون ولا يتفقون على رأي والقوة الصاعدة لديهم هي قوة «حماس» وغيرهما من «تنظيمات الإرهاب التي تسيطر حاليا على قطاع غزة وعندما انسحبنا من القطاع وأزلنا المستوطنات، ردوا علينا بالصواريخ، وخطتهم اليوم هي أن يسيطروا على الضفة الغربية ويطلقوا منها الصواريخ إلى تل أبيب ومطار اللد، ولذلك نرفض الانسحاب من الضفة ونضع نصب أعيننا القضاء على الإرهاب وتنظيماته».
 
ويقول نتنياهو انه لا يريد أن يدير ظهره للمفاوضات، بل بالعكس، وما يريده هو أن تجري المفاوضات على نار هادئة، مع تفضيل مسار التطوير الاقتصادي عليها. ويفسر ذلك بقوله: «من دون تطوير الاقتصاد الفلسطيني لن تكون هناك مصلحة فلسطينية في السلام مع إسرائيل. فإذا أصبح للفلسطينيين مشاريع اقتصادية يخافون عليها ويفضلون تطويرها على ممارسة الإرهاب، يصبح الحديث عن السلام ممكنا. ولكن في هذا الوقت، لا يوجد مكان للتوصية بإجراء مفاوضات سلام».
 
والمشاريع الاقتصادية التي يريدها نتنياهو تحتاج إلى وقت طويل حتى تثمر شيئا يحقق ما يدعيه من أهداف، حيث يتحدث عن دراسة الاحتياجات ورسم المشاريع ودراسة جدواها وتدبير التمويل لها ثم المباشرة ببنائها ثم بدء تشغيلها وانتظار ثمارها على الاقتصاد الفلسطيني. لذلك يبدو اقتراحه بمثابة تأجيل موضوع السلام عقدا أو عقدين من الزمن، يتواصل خلالهما البناء الاستيطاني اليهودي في القدس والضفة الغربية وغيره من ممارسات فرض الأمر الواقع الذي ينسف آمال السلام الحقيقي.
 
وادعى نتنياهو، قبل أسبوعين، انه خلال لقائه مع جورج ميتشل عرض مشروعه هذا فلاقى استحسانه. وروى نتنياهو انه أقنع ميتشل به عندما أجرى مقارنة بينه وبين مشروع السلام الذي حققه ميتشل نفسه عندما كان وسيطا دوليا للسلام في ايرلندا «فهناك أيضا، لم يكن السلام ممكنا من دون التطوير الاقتصادي».
 
ولكن ميتشل وجد مناسبة للرد على ادعاءات نتنياهو، أول من أمس، موضحا انه لا يمكن الاكتفاء بالسلام الاقتصادي وينبغي قبول مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية.