• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

أطفال وشباب ينبشون 13 ألف حاوية في عمان بحثا عن لقمة العيش

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2009-10-18
1545
أطفال وشباب ينبشون 13 ألف حاوية في عمان بحثا عن لقمة العيش

وسط بنايات سكنية فخمة، ومجمعات تجارية كبيرة، في أحد أحياء عمان الراقية، يهرول محمد، بثيابه الرثة، مسرعا باتجاه حاوية نفايات مركونة على رصيف الحي، بحثا عن مقتنيات قد تكون ثمينة، يظن أنه سيجدها هناك، وفي الوقت نفسه، يجمع المواد والعلب البلاستيكية والمعدنية.

 يمد محمد (16 عاما)، نصف جسده العلوي داخل الحاوية، وينبش بحثا عن مقتنيات يجمعها، ليبيعها في أسواق خاصة بوسط البلد في العاصمة، بينما يعاد تكرير المواد البلاستيكية والمعدنية التي يجمعها من الحاويات، لاستخدامها في صناعات أخرى بعد أن يبيعها إلى "سماسرة محددين"، حسب قوله.
 
ولا يبالي ممتهنو نبش الحاويات، التي يتجاوز عددها 13 ألف حاوية، موزعة على كافة مناطق عمان الـ 27، بما قد يلحق بهم من أمراض، سارية أو معدية، أو بما قد يسببونه من كوارث بيئية وصحية، نتيجة تركهم لمحتويات النفايات بعد نبشها، مبعثرة، كما ان النبش في الحاويات أصبح "مرتعا لعصابات منظمة"، تقر وزارة البيئة بـ "عدم إمكانية ضبطها" بسبب عدم وجود نص قانوني يعاقب ممتهنيها.
 
ويعترف 7 من 10 نابشي نفايات التقتهم "الغد" بأنهم يعملون في إطار منظم؛ بحيث يجند الاطفال والشباب لنبش النفايات واستخراج مقتنيات ثمينة ومواد بلاستيكية ومعدنية منها، وتجميعها بواسطة سيارات "بكب أب"، ليتجاوز ما يتقاضاه بعضهم من أجور ورواتب شهريا الـ 300 دينار.
 
يقول علي (16 عاما) إنه "تعلم مهنة نبش النفايات وبيع المقتنيات الثمينة من والده"، لافتا إلى أنه يتجه دوما إلى الأماكن الراقية التي تعد "بضائعها" وفق تعبيره، من أثمن الأنواع.
 
إلى ذلك، يحاول زميله رائد وهو قريب من عمره، ويعتلي "بك أب" أزرق اللون، تبرير مسلكه بامتهان العمل في نبش النفايات بأن "لقمة العيش الصعبة"، هي من تدفعه ووالده لامتهانها.
 
وأمام إحدى الجامعات الرسمية، يجهد أطفال لا تتجاوز أعمارهم العاشرة من العمر في البحث عن علب بلاستيكية، وأخرى معدنية في حاويات النفايات.
 
وعند محاولة سؤالهم عما يفعلونه، يعمد بعضهم إلى "الهرب"، خوفا من ملاحقتهم من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، التي تتابع هؤلاء الأطفال وتحولهم إلى مراكز متخصصة، لإعادة تأهيلهم.
 
2200 طن يوميا نفايات العاصمة
 
تصل مخرجات نفايات العاصمة إلى 1800 طن يوميا خلال فصل الشتاء، بينما ترتفع إلى 2200 طن يوميا خلال الصيف، بسبب الزيادة الطارئة في اعداد المقيمين في العاصمة، بخاصة المغتربين والسياح القادمين إلى المملكة.
 
وتبلغ كمية النفايات المنزلية في المملكة نحو 1.4 مليون طن سنويا، في حين تصل الصناعية منها إلى 165 ألف طن سنويا، والزراعية نحو 1.6 مليون طن سنويا، وفق دراسة لمكتب برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) في الأردن.
 
كما تصل كلفة جمع النفايات في عمان الى 14 مليون دينار سنويا، يُحَصّل منها على فواتير الكهرباء زهاء 5.5 مليون دينار.
 
ويقول جمال عدوي، الذي يعمل متعهد جمع نفايات صلبة من المكبات، إن العمل في "جمع النفايات مربح للشباب، وأفضل لهم بألف مرة من العمل في مصنع أو مهنة أخرى".
 
ويبرر عدوي تصوره لأفضلية عمل الشباب في هذه المكبات بأن عملهم في مهن أخرى، لا يؤمن لهم رواتب مجزية على حد وصفه، وقد لا تزيد على 100 دينار، أو أكثر بقليل للعامل الواحد "لكن في المكب، قد يتجاوز الراتب الـ 300 دينار، ولا يحتاج الواحد في مثل هذا العمل إلى جهد بدني أو ذهني كبيرين".
 
ويرى بعض ممن يمتهنون النبش في الحاويات أو العمل في المكبات، أن العمل في هذه المهنة "ليس منظما في جميع الأحوال"؛ ذلك أن فقراء يعانون ظروفا معيشية صعبة، يلجأون لها لأنها تعينهم في معيشتهم، بخاصة في ظل ارتفاع حجم البطالة والتي تتضارب حولها الأرقام الرسمية، اذ تبلغ 12.5 %، في حين تؤكد إحصاءات مستقلة أنها "تكبل ربع الأردنيين"، والمقدر عددهم بـ 5.8 مليون نسمة.
 
"البيئة": لا نص قانونيا يعاقب نابشي النفايات
 
إلى ذلك، وفي السياق نفسه، توضح وزارة البيئة على لسان ناطقها الإعلامي عيسى الشبول أنها شددت على أمانة عمان الكبرى، للتنبه الى هذه القضية، بيد أن ما يفاقم من عدم القدرة على ضبط هذه الجماعات هو "عدم وجود نص قانوني يعاقب هذه الفئة".
 
ويعلق الشبول "لا يوجد في القانون نص يعاقب ممتهني نبش النفايات"، مضيفا "خاطبنا الأمانة لمعالجة هذه القضية التي باتت تسيء للبيئة، وتزيد الأمراض والأوبئة".
 
وتقتصر المادة الخامسة من نظام إدارة النفايات الصلبة رقم (27) لسنة 2005 على إلزام كل جهة تقوم بإدارة النفايات الصلبة، أو ينتج من النشاط الذي تزاوله نفايات صلبة، بتوفير الكادر المؤهل لإدارتها وتأمين وسائل السلامة العامة للعاملين لديها وتوفير الآليات والحاويات والمعدات اللازمة لها، ومراقبة جمعها وتحديد مساراتها ونقلها الى المواقع المخصصة للتخلص منها.
 
وكذلك، وضع الحاويات في اماكن مناسبة وصيانتها واستبدال التالف منها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وصول الخطرة منها الى حاويات ووسائط نقل النفايات الصلبة.
 
"الأمانة" تقر بعدم وجود برنامج متكامل لفرز النفايات
 
وتعترف الأمانة بأن نبش الحاويات بحثا عن مواد صالحة للبيع، يحتاج إلى وقت كبير وبرامج توعوية طويلة الامد للحد منها، وفق المدير التنفيذي لشؤون النظافة والبيئة زيدون النسور. ويقول النسور إن هذه الظاهرة "تحولت إلى مهنة تعتاش عليها فئات من المجتمع، وتدر عليهم ارباحا لا بأس بها".
 
وتجد المواد التي تجمع من الحاويات "سوقا رائجة" من قبل مصانع محلية وورش تعيد تدويرها، او تحويلها إلى أشكال جديدة، على ما يقر به نابشو النفايات.
 
ويؤكد النسور أن "بقايا النفايات تجد لها اسواقا عالمية خارج المملكة، تتعامل معها"، لافتا الى عدم وجود برنامج متكامل لفرز النفايات، وهو ما يجعل الحاويات تحوي في العادة مواد بلاستيكية وأخرى معدنية وكرتونية وغيرها، لتصبح في النهاية أمكنة خصبة للباحثين عنها، بقصد الاتجار والترزق.
 
"سوق الحرامية" مرتع لتجار مخلفات نبش النفايات
 
وفيما اصطلح على تسميته بـ "سوق الحرامية"، وسط عمان القديمة، قريبا من سوق الخضراوات، وأسواق بيع الملابس القديمة والخرداوات، يجد نابشو النفايات مكانا لعرض بضائعهم.
 
ويتهافت مواطنون أغلبهم من الفئات الفقيرة، على شراء ما يلزمهم من بضائع رخيصة الثمن والجودة، من شباب وفيتان يبيعون مقتنيات حصلوا عليها من عملهم في نبش النفايات، أو عن طريق تجوالهم لشراء حاجيات قديمة من المنازل.
 
ويحاول هؤلاء الباعة، جلب انتباه المارة عبر معروضاتهم المتنوعة، ذات الأسعار الرخيصة، فمن شريط كاسيت يباع بـ 5 قروش إلى تلفزيون قد تصل قيمته بحدها الأعلى إلى 25 دينارا، فضلا عن قطع تبدو نادرة أو ثمينة، وسط تعالي أصوات الأغنيات الصاخبة، وتجمع المياه الآسنة في السوق الذي يقام كل يوم جمعة تقريبا بشكل عشوائي.
 
ويشتري بعض هؤلاء الباعة بضائعهم بأسعار زهيدة من "أصحاب بكبات"، ينادونهم بـ "تجار الجملة"، ليبيعوها لمرتادي السوق، ويجمعوا منها أرباحا تعينهم على معيشتهم، على ما يؤكد البائع أبو الوليد الذي يجلس قبالة تلفزيون قديم، عرضه للبيع بـ 25 دينارا، ووصفه بأنه "شغال 100 %"، ومروحة "تقي من حر الصيف" فقط بـ 6 دنانير.
 
يقول أبو الوليد وهو يشعل سيجارته، إنه "يشتري هذه البضائع بأسعار زهيدة من أصحاب البكبات الذين قد يشترونها من المنازل، أو يلتقطونها من حاويات النفايات ويبيعها بما يحقق له ربحا بسيطا يكفيه كفاف يومه".
 
في الحاويات، قد يجد ممتهنو النبش، مقتنيات تعينهم على سد حاجتهم من الربح لأكثر من شهر، وقد يعملون ويكدون من دون ان يجدوا ما يحقق لهم ما يعينهم على يومهم، حسب أبو الوليد.
 
وفيما يجهد أبو الوليد في بيع سيدة ما لديه من بضائع، تحاول السيدة تنزيل أسعار ما يعرضه عليها بما ترى انه الأرخص والأنسب لها، ليصبح الجدال بينهما سيد الموقف، ولتنهي حديثها معه "يا زلمة ما انتو بتجيبوها من الحاويات".
 
ورغم علم الخمسينية أم أحمد بأن معظم هذه البضائع من نتائج "نبش الحاويات"، إلا أنها لا تهتم كثيرا لذلك، فالمهم هو الحصول على "قطع نادرة حتى لو عفا عليها الزمان" وبأسعار زهيدة جداً.
 
تقول وهي تمسك بيد ابنها إن "الفقر يدفع الشخص أحيانا لشراء هذه الحاجيات"، وهي تمسك بالقطع من دون أن تلتفت لما هو عالق بها من أوساخ.
 
أما أبو الوليد فيكشف سرا الى "الغد" حول سعر السلع التي يبيعها، ويقول "اشتريت هذا التلفاز بـ 10 دنانير، وأبيعه بـ 25 دينارا، هذه أرباح زهيدة خصوصا أنه لا تتم تجربته عند شرائي له، وحظ المشتري هو الذي يحكم مدى ربحه في النهاية".
 
تاجر آخر يدعى عدنان ذيب، يعمد إلى بيع المجلات والكتب "المنتقاة" من النفايات، مشيرا إلى أن التجار الذين يلتقطونها، يفرزونها ويبيعونها للتجار بحسب اختصاصهم.
 
ووفق أبو الوليد، فإن الانطباع العام لدى المواطنين بأن "سوق الحرامية" أو "الجورة" كما يكنى هو "مرتع لأصحاب السوابق"، ولكنه يؤكد على ان هذا المكان "للترزق وحماية ابنائنا من التشرد"، وليس كما يظن البعض لـ"ارتكاب الجرائم".
 
وكانت الأمانة قررت إغلاق السوق قبل زهاء عام، لإقامة مجمع تجاري مكانه، بكلفة مالية تصل إلى 11 مليون دينار، بيد أن محافظ العاصمة حينها، قرر إغلاق السوق، لمنع مظاهر البيع العشوائية.
 
وتنتشر في السوق بسطات بيع ملابس قديمة وأجهزة كهربائية مستعملة وأحذية وأثاث مستعمل، إضافة إلى بيع أجهزة خلوية مستعملة وإكسسواراتها.
 
ويرى أبو ربحي بائع أجهزة خلوية في معرض تعليقه على ما كان سيقدم عليه المحافظ من إغلاق للسوق، بأن قرار المحافظ حينها كان "عشوائيا، ولا يصب في مصلحة الناس، إذ إن السوق يخلو حاليا من أصحاب السوابق، والانطباع العام عن السوق لدى الناس، لا يمت للواقع بصلة".
 
وكان مصدر مسؤول في محافظة العاصمة قال إن "قرار المحافظ بإغلاق سوق الجورة، جاء لأسباب أمنية، بعد أن أصبح يشكل وكرا يلتقي فيه أصحاب الأسبقيات ومروجو الحبوب المخدرة، ومكانا لبيع المواد المسروقة والملتقطة من حاويات النفايات، فضلا عن تعرض مواطنين فيه لعمليات نصب واحتيال".
 
وحسب أبو ربحي، فإن تجار الأكشاك والبسطات يعملون وفق القانون، لافتا إلى أنهم يشترون أجهزتهم الخلوية وفق إقرار بيع يشمل رقم هوية البائع واسمه الكامل وبياناته الشخصية ورقم الجهاز مثلا، من دون علمهم إن كان البائع، قد التقطه من إحدى الحاويات وأصلحه أو اشتراه أو سرقه.
 
"نبش النفايات" ينقل الأمراض والأوبئة
 
بالإضافة إلى ما يسببه نبش النفايات من "أذى للطريق والمارة"، فإنه يشوه الأمكنة التي تتم فيها، ويقدم "مشهدا غير حضاري"، وفق مدير إدارة الأمراض السارية وخبير الوبائيات في وزارة الصحة بسام حجاوي.
 
ويؤكد حجاوي ان نبش الحاويات يشكل "بؤرة لنقل الامراض والعدوى للأطفال، نتيجة العبث بالحاويات، ونقلها لفئات اخرى من المجتمع".
 
وبواسطة النفايات تنتقل الكثير من الأمراض، بخاصة وأنها تحتوي على مواد بلاستيكية ضارة، فضلا عن تكاثر الذباب والحشرات الناقلة للأمراض عليها وحولها، ما يفاقم من خطورة نبشها، حسب حجاوي.
 
ويبين النسور أن الأمانة "تعي أهمية احتواء هذه الفئة الممتهنة للبحث عن مواد في الحاويات ضمن برامج تدريبية وتوعوية"، موضحا أن ذلك يستدعي تضافر جميع الجهود لنشر الوعي البيئي.
 
ويلفت الى تدريب الممتهنين عبر الجمعيات البيئية والمنظمات غير الربحية، وأن "تنظم أعمالهم بما يضمن سلامتهم" أولا، وعدم تسببهم في بعثرة النفايات حول الحاويات، ما يشكل تشويها للمنظر العام وزيادة في جهود جمع النفايات. وخلقت الأمانة "مبادرات للاستثمار" في مجال النفايات؛ كإقامة مصنع في المنطقة الحرة لتصنيع حبيبات الكاوتشوك من الإطارات المستخدمة التي تلقى بجانب الحاويات وساحات الخلاء؛ بحيث تجمع وتورد الى المصنع الذي يحولها بدوره إلى أشكال أخرى يستفاد منها في استعمالات اخرى، وهو ما يدلل على أهمية تنظيم إعادة تدوير النفايات.
 
وتدعو الأمانة إلى تشكيل "حلقة تعاون" مع جميع الجهات الراغبة في استغلال المواد الموجودة في الحاويات، وإعادة تدويرها، بيد أن ذلك يجب أن يكون حسب الاشتراطات البيئية الضامنة لصحة العاملين في هذا المجال، للمحافظة عى بيئة المجتمع وصحته.
 
الخطيب: الأمن العام غير معني بمتابعة نابشي النفايات
 
في المقابل، يؤكد الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب أن الأمن العام "غير معني" بمتابعة نابشي النفايات، ولا يجرم ما يقومون به.
 
بيد أنه أكد أن الشرطة البيئية، تتابعهم، في وقت تقول فيه مصادر في الشرطة البيئية "إن لديها ضباط ارتباط تابعين للأمانة، معنيين بمتابعة هذه القضايا من دون أن يتدخلوا بها".
 
ولمكافحة هذه الظاهرة التي تقول الأمانة ووزارة البيئة إنها باتت "تنتشر بكثافة"، فلا بد وفق الخبراء، من سن تشريع قانوني يمنع "نبش النفايات" بما يسيء للبيئة، ويتسبب بنقل الأمراض المعدية. الغد
 
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.