صحيفة العرّاب

بعد ساعات من قرار "الجنائية"..واشنطن تطالب البشير بتسليم نفسه

طلبت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الرئيس السوداني عمر البشير تسليم نفسه للمحاكمة أمام العدالة الدولية، وذلك بعد ساعات من موافقة قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على اقتراح بتوجيه تهمة جديدة إليه تتعلق بالإبادة الجماعية في دارفور، بعدما كانوا قد رفضوا طلب الإدعاء في مارس/آذار الماضي إضافة هذه التهمة إلى تهم أخرى بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

 يأتي هذا في الوقت الذي اتهمت فيه السلطات السودانية المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى تقويض الانتخابات المقررة في أبريل/نيسان القادم، وذلك من خلال إعادة النظر في عدم توجيه تهمة "الإبادة" في مذكرة التوقيف بحق البشير.
 
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي للشؤون الافريقية جوني كارسون للصحافيين في أكرا أمس: "نحن نعتقد بان الرئيس البشير ينبغي أن يُسلّم نفسه إلى المحكمة ليحاكم على التهم المنسوبة اليه". وأضاف: "إذا كانت محكمتهم لن تفعل ذلك والمحكمة الدولية متاحة فليسلم نفسه اليها".
 
في سياق متصل، عقد ستة مرشحين منافسين للبشير مؤتمراً صحافياً في الخرطوم بادر خلاله زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إلى دعوة الرئيس السوداني وحزبه المؤتمر الوطني الحاكم إلى سحبه من المنافسة على منصب الرئيس والاتفاق على "مرشح وفاقي" يتولى رئاسة البلاد في المرحلة المقبلة.
 
وفي المقابل، قال ديبلوماسيون أجانب ومحللون في الخرطوم لصحيفة "الحياة" اللندنية، إن قرار المحكمة الجنائية "اجرائي" لكنه في نفس الوقت يعيد ملاحقة البشير دولياً إلى الواجهة ما يزيد من الضغوط النفسية والإعلامية عليه، ويضاعف من الضغوط الدولية على نظام حكمه لتسريع تسوية أزمة دارفور، ويعطي معارضيه "ذخيرة" جديدة لاستخدامها في حملة انتخابات الرئاسة التي ستبدأ الأسبوع المقبل.
 
من ناحية اخرى، وصف وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية ،علي أحمد كرتي، قرار "الجنائية الدولية، بأنه عمل سياسي عديم الجدوي قصد من يقفون خلفه أضعاف القيادة السودانية.
 
وقال كرتي في تصريحات صحفية عقب عودته ضمن الوفد المرافق للرئيس السوداني لإلى قطر، "ان مايسمي بالمحكمة الجنائية الدولية ومن يحركون ضد السودان الملفات لو علموا الأثر الذي يمكن أن يحدثه ذلك علي القيادة وموقف الشعب منها لا اعتقد انهم كانوا سيحركون هذا الأمر".
 
بدوره، قال رئيس الوفد الحكومي السوداني الى مفاوضات الدوحة مع حركات دارفور، الدكتور أمين حسن عمر، إن "المحكمة سياسية، وهم يعتقدون بان قرارهم الجديد سيُضعف الوضع الانتخابي للرئيس البشير".
 
قرار "الجنائية"
 
وكانت المحكمة الجنائية قبلت أمس استئنافاً لمراجعة قرارها الذي أصدرته في مارس/ آذار بإسقاط تهمة الإبادة جماعية عن البشير. وجاء قرار غرفة الاستئناف التابعة للمحكمة ليُعد نصراً للمدعي العام لويس مورينو أوكامبو الذي يُصر على محاكمة البشير في شأن انتهاكات دارفور.
 
وأعلن القاضي الفنلندي اركي كورولا "أن غرفة الاستئناف تأمر باتخاذ قرار جديد بالاعتماد على (مبدأ) حسن سير العدالة بالنسبة لمعيار الإثبات". وقال أن القضية لا تتعلق بمعرفة ما إذا كان البشير مسؤولا أم لا عن ما سماها "جريمة الإبادة"،وإنما الاستئناف يتعلق بمسألة ترتبط بقانون الإجراءات.
 
 أوكامبو والبشير  
 
 وكان قضاة المحكمة أصدروا في الرابع من مارس/آذار 2009 مذكرة توقيف بحق البشير، حيث وجهت إليه سبعة اتهامات خمسة منها تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية واثنان بارتكاب جرائم حرب بسبب دوره المزعوم في تدبير هجوم مضاد ضد مجموعات دارفورية عرقية تعارض حكمه على مدى أكثر من خمس سنوات حتى عام 2008.
 
واتهمت المحكمة البشير بالقتل والإبادة والترحيل القسري والتعذيب والاغتصاب والنهب وذلك من بين اتهامات أخرى. ومع ذلك، قضت المحكمة في جلسات استماع قبل المحاكمة أنه لا يمكن محاكمة البشير بتهمة الإبادة الجماعية، وهو ما دعا أوكامبو في 6 من يوليو/تموز الماضي لاستأنف الحكم طالبا تضمين التهمة الثالثة بحق البشير.
 
يُذكر أن الحكومة السودانية رفضت قرار المحكمة الجنائية وأعلنت عدم تعاونها معها، ومنذ ذلك الوقت سافر البشير إلى عدد من الدول العربية والأفريقية من بينها مصر والسعودية وقطر وإريتريا.
 
وكانت المحكمة ذكرت في وقت سابق أن منصب البشير الرسمي كرئيس دولة حالي لا يعفيه من المسؤولية الجنائية ولا يمنحه حصانة من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية
 
وتحقق المحكمة الجنائية الدولية بموجب قرار من مجلس الأمن في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة، منذ 2005 حول إقليم دارفور الذي يشهد حربا أهلية منذ 2003.
 
"العهر السياسي"
 
كان مندوب السودان بالأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم، شن الشهر الماضي هجوما عنيفا على أوكامبو، واتهمه بـ"التكسب" من ملف دارفور، ووصفه بـ"المرتزق" ، متعهدا بملاحقته بتهمة "العهر السياسي".
 
وقال المندوب السوداني :" أوكامبو مرتزق مستأجر للتدمير والقتل عاد من جديد لينشر هلوساته ورؤيته الكارثية" .
 
وشدد على أن الحرب في دارفور "انتهت" وتوجه إلى الدول التي قالت إن على السودان تطبيق العدالة بدعوتها إلى "الخجل من نفسها" ، مضيفاً أن مصداقيتها باتت على المحك.
 
واختتم قائلا :" أوكامبو يتكسب من وراء قضية دارفور ويرغب في إطالة معاناة الشعب السوداني ، السودان سيلاحق المدعي العام الدولي قضائياً بتهمة العهر السياسي".
 
وكان أوكامبو زعم في تقرير قدمه لمجلس الأمن أن "الاغتصاب والتفجيرات العشوائية وغيرها من الجرائم" ما زالت متواصلة في دارفور، مشيرا إلى أن حكومة السودان ما زالت ترفض التعاون مع مكتبه.
 
وأضاف قائلا :" الاعتداءات ضد المدنيين في دارفور متواصلة وفي حادثة وقعت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي قامت مليشيات بمهاجمة قريتين في شمال دارفور حيث احتجزوا رهائن وضربوا السكان ونهبوا الممتلكات".
 
وتابع " الرئيس البشير بدلا من أن يوقف هذه الجرائم فإنه يمنع المعلومات حولها ، القرار بطرد المنظمات الإنسانية وتهديد الباقية بالطرد أو تقييد حرية حركة يوناميد (قوات حفظ السلام الدولية والإفريقية) جزء من سياسة الحكومة الرامية إلى الحد من رقابة المجتمع الدولي".
 
وأوضح أن الجهود في الأشهر الأخيرة تركزت على تشجيع السودان على احترام مسئولياته كعضو في الأمم المتحدة وإنهاء الجرائم والقبض على الأشخاص المتهمين من قبل المحكمة ، مشيرا إلى أن البشير لا يستطيع السفر إلى بعض البلدان حيث يواجه خطر القبض عليه .
 
واختتم قائلا :" عملية التهميش هذه يمكن أن تؤدي إلى تطبيق مذكرة المحكمة الدولية في النهاية ، احترام قرار المحكمة بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير يرسل رسالة قوية مفادها أن الرئيس السوداني سيواجه العدالة وأن أي قائد يرتكب جرائم سيواجه العدالة وأن السلطة لا تعني الإفلات من العقاب".
 
وتقول الأمم المتحدة إن نزاع دارفور أسفر منذ اندلاعه في 2003 عن سقوط 300 ألف قتيل ، لكن الخرطوم تقول إن عدد القتلى لا يتجاوز عشرة آلاف.