صحيفة العرّاب

بعد أن جرى تعديله أكثر من مرة : قانون المالكين والمستأجرين .. هل يعدّل مرة أخرى؟

بمشاعر متباينة ، واجه الاردنيون قانون المالكين والمستأجرين الجديد ، فالملاك رأوا فيه انصافا وعودة لحقوقهم التي اهدرت طوال عقود ، وتطبيقا عمليا لاحكام الشرع ومواد الدستور: بأن العقد هو شريعة المتعاقدين ، بينما في الجانب الآخر من المعادلة يعبر المستأجرون عن قلق كبير من أن يتحول حق المالك في تحديد الأجرة كما يشاء حسب هذا القانون الى سيف لقطع ارزاقهم في متاجرهم او استقرارهم في شققهم التي يسكنونها ، الدستور استطلعت آراء بعض المالكين والمستاجرين والاختصاصيين ، في محاولة لنقل اصواتهم للمسؤولين لتحقيق العدالة في نصوص القانون مع العلم بان القانون تم اقراره وُبدئ في تطبيقه .

 بعض المستأجرين
 
مجدي الطويل يملك ستوديو تصوير ، قال: إن مالك العقار الذي يوجد به الاستوديو الذي يملكه يحق له اخلاؤه في بداية عام 2014 ، وعبر الطويل عن خشيته من ان يقوم المالك برفع الايجار الى مستويات غير واقعية ما قد يتسبب بفقدانه لهذا الموقع ، وبين الطويل ان منح المالك حق عرض قضية الاخلاء على قاضي الامور المستعجلة فيه ظلم كبير للمستأجر الذي قد يجد نفسه خلال ايام في الشارع ، لذا فإن العدل يتطلب اعادة النظر بهذا القانون ، بحيث يوضع مستوى معين للزيادة التي يسمح للمالك باضافتها على الايجار خصوصا اذا علمنا ان كثيرا من المحلات التجارية قد كسبت اسما تجاريا كبيرا في الموقع الذي وجدت فيه ، ومن الممكن جدا ان تكون محل طمع لدى المالك الذي قد يرفع الايجار بنسبة عالية جدا بهدف اخراج المستأجر واقامة نفس نوع الصنعة او التجارة مكانه .
 
احمد ابو شنب يملك متجرا للساعات والخلويات ، قال: إنه مستأجر منذ عام 84 وحسب المهل الممنوحة في القانون الجديد يحق للمالك اخلاؤه في بداية 2012 ، وعبر ابو شنب عن خشيته من ان يقوم المالك برفع الايجار الى مستوى لا يطاق من اجل ان يستغل موقع وشهرة المحل التي اكتسبت من خلال عمل متواصل استمر لعدة عقود ، وتمنى ابو شنب ان تتم معالجة الثغرة التي تتعلق بقدرة المستأجر في القانون الجديد على رفع السعر حسب ما يرغب وذلك بوضع متوسط للايجارات في كل منطقة او شارع ، بحيث يكون هذا المتوسط سعرا تأشيريا لضمان ان لا يكون رفع الايجار فقط من اجل اخراج المستأجر . واكد ابو شنب ان الحل العادل والوحيد هو ان تقوم الجهات المختصة بوضع هذا السعر التأشيري للايجارات في كل منطقة حتى تضمن ان لا يكون اخراج المستأجر هو الهدف ، وليس الايجار كما قد يزعم بعض المالكين .
 
عرض وطلب
 
محمد غالب خلف ، مالك لأحدى العمارات التجارية في منطقة غرب عمان ، قال: إن القانون الحالي جاء ليحقق العدالة التي فقدها المالك طوال العقود الماضية ، واكد خلف ان مخاوف المستأجر قد تكون محقة فقط في ان بعض المالكين قد يقوم برفع الايجار بنسبة عالية جدا بهدف اخراج المستأجر ، وفي هذه الحالة فقط يمكن ان تلعب الحكومة دورا في تحديد نسبة رفع الايجار عن طريق لجنة تشكل من كافة الاطراف المعنية بحيث يكون الايجار عادلا ويحقق مصالح جميع الاطراف ، وهذا في المخازن المؤجرة التي حقق المستأجر فيها اسما تجاريا وشهرة ارتبطت بهذا الموقع ، اما بالنسبة لعرض قضايا الاخلاء على قاضي الامور المستعجلة ، فهذا جاء بعد ان كان المالك (يدوخ )في المحاكم لعدة سنوات قبل ان يحصل على حقه .
 
عبدالله عابد مالك لعمارة فيها مخازن تجارية وشقق سكنية ، اكد انه لا صحة مطلقا لما يقال بأن المستأجرين سوف يتعرضون للاستغلال من اصحاب العقارات ، لأن من تعرض للظلم طوال السنوات الماضية من المستحيل ان يتحول الى ظالم بين يوم وليلة ، ومن ثم فإن المنطق يقول: إن العرض والطلب هما من سيحددان سقف الايجارات في كل منطقة ، وقال: انا اعتقد ان اي تدخل حكومي في هذا الشأن لن يحقق اي مصلحة ، لإننا اذا اردنا تصحيح الخلل يجب ان نترك آليات السوق تعمل على ذلك وهي وحدها القادرة على تصويب اي خلل ، لذا فلا داعي مطلقا لاجراء اي تعديل على هذا القانون لأن العودة الى قاعدة العقد شريعة المتعاقدين هي افضل تطبيق لمبدأ العدالة.
 
لا داعي للتعديل
 
رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في الاردن المحامي هاني الدحلة قال: إن قانون المالكين والمستأجرين الجديد المطبق حاليا هو افضل بكثير من القانون السابق الذي كان سوف يسبب الكثير من المشاكل في حال تطبيقه ، وعبر الدحلة عن قناعته بأن القانون الجديد حمل الكثير من التوازن في مواده ، وراعى الى درجة جيدة مصالح طرفي المعادلة المالك والمستأجر ، خصوصا اذا عرفنا انه من المستحيل ايجاد قانون يرضي كافة الاطراف ، وقال : إن العودة الى مبدأ العقد شريعة المتعاقدين تعتبر امرا عادلا ، وبالتالي لا داعي لاجراء اي تعديل على هذا القانون في هذه المرحلة ، خصوصا انه لم تمض إلا فترة قصيرة جدا على بدء تطبيقه .
 
تحرير اقتصادي
 
الخبير الاقتصادي حسام عايش ، قال: إنه ليس أسهل من إقرار قانون من القوانين لكن ليس أصعب من معالجة آثاره السلبية إن لم يكن محكماً ومصاغاً بلغة قانونية واضحة مستوحاة من ثقافة وتقاليد المجتمع ، ومستجمعاً أوضاعه الإجتماعية والإقتصادية ، لذلك كان قانون المالكين والمستأجرين الجديد محل حوار ونقاش وتعديل واعتراضات ، لأن بنوده لم تكن واضحة ، ما يجعلها تبدو كأنها مترجمة عن قوانين لمجتمعات اخرى لها ثقافتها واقتصادها ، ولأن كل مواطن معني بهذا القانون لكونه يؤسس لعلاقات اجتماعية واقتصادية جديدة في المجتمع بعد ما يقارب 60 عاما سادتها حالة من الاستقرار بين المالك والمستاجر ، ولأنه يكمل عملية التحرير الإقتصادي (بإلغاء الدعم عن الايجارات ) ، تماما كما تم إلغاء هذا الدعم عن المواد الأساسية والمشتقات النفطيه ليكون مكملاً في نتائجه لسياسة الهيكلة الإقتصادية والاجتماعية الجارية منذ سنوات.
 
علامات استفهام
 
واضاف عايش: إن هذا القانون يطرح أيضا علامات استفهام بخصوص الجدوى الاقتصادية للمباني الحكومية المستأجرة ، مع توقع ارتفاع كلفة بدل استئجارها ، في نفس الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على ضبط النفقات وحتى تخفيضها ، ما يطرح علامة استفهام فيما إذا كان هذا القانون في بعض أوجهه دعوة للحكومة نفسها للتخلي عن عقاراتها المستاجرة والبدء بمشاريع عقارية مكلفة كتلك التي اقترحها امين عمان في حينه ، وبالتالي فقد تكون الحكومة أول من سيدفع الثمن ، وربما قد تثار كذلك قضية بعض المخيمات من حيث الأرض التي أقيمت عليها ومبانيها المستأجرة كما طرح قبل فترة.
 
مخاوف حقيقية
 
وبين عايش: أن خوف مستأجري العقار السكني من القانون الجديد (وهم يشكلون ما نسبته %35 من عدد الأسر الأردنية) ، يتمثل في إجبارهم على إخلاء مكان سكنهم ورفع بدل الإيجار بشكل يفوق قدرتهم على تحملها ، بل وتوقع ارتفاع الإيجارات سنوياً ، وصعوبة إن لم يكن استحالة إيجاد سكن بديل أو شراء سكن بالنسبة لبعضهم ، أو الدخول في منازعات قانونية مع المالكين قد تنتهي بخسارتهم لها ، وبالتالي فإن الخشية هنا أن يؤدي هذا القانون إلى تطورات لا تخدم الطبقة المتوسطه (في ظل وجود حوالي %85 من الموظفين تقل دخولهم عن 300 دينار شهريا) إذا بقيت معدلات الدخل كما هي وزادت أعباء وتكاليف المعيشة ، ومنها تكاليف السكن ، مع وجود كثير من المستأجرين هم من أصحاب الدخول المنخفضة أصلاً ، أو من الشباب المتزوجين حديثاً ، أو من طلاب الجامعات والذين سيعانون أكثر من غيرهم من ارتفاع بدل الإيجار لأن قدرتهم على تحسين ظروفهم الاقتصادية محدودة.
 
علامة تجارية
 
وأكد عايش أن الفعاليات الاقتصادية وغيرها (والتي تشكل حوالي %75 من عقود الإيجار) ترى أن العقار المستأجر بالنسبة لها ليس مكانا لممارسة نشاطها التجاري فقط ، بل تحول مع الزمن إلى علامة تجارية تتضمن شهرة المحل وغيرها من المفردات التجارية التي باتت عناصر مهمة من ضمن رأس مال بعض التجار ، ما يعني أن القانون لم يراع مثل هذا الأمر (وهنا كان يفترض أن يتضمن القانون نصاً واضحاً بخصوص شهرة المحل فإن رغب المالك بالإخلاء فإن عليه تحمل بعض من قيمة تلك الشهرة ، والتاجر إن رغب بالبقاء فإن عليه تحمل زيادة في الأجرة من بعض قيمة تلك الشهرة) أيضاً ، فإن كثيراً من المحلات التجارية هي محلات بيع تجزئة صغيرة قد لا يتحمل العاملون فيها تبعات أي زيادة في الإيجار أو أي قرار بالإخلاء ، خاصة وأن ما يزيد عن 95 % من الفعاليات الإقتصادية إما صغيرة أو متوسطة ، بل إن كثيراً من العقارات المستأجرة تعود لمدارس أو مستشفيات او جامعات فكيف سيتم التعامل معها ؟.
 
ثقافة مجتمع المصالح
 
أما بالنسبة للمالكين فيقول عايش: إنهم يجدون في القانون فرصة لاستعادة أملاك يرون أنها ضاعت منهم واسترجاعَ عائدْ فقدوه على امتداد سنوات سابقة ، وهذا حقهم ، لكن عليهم الاعتراف ايضا أنه لولا وجود المستأجرين في تلك السنوات الغابرة لربما لم يكن لديهم عقار يستردونه حاليا له تلك القيمة المرتفعة ، وهنا فإن من بنى عقارا للإيجار هو كمن فتح محلاً تجارياً وعليه تحمل النتائج فليست كل الصفقات ربحا ولا كلها خسارة ، وفي هذا الاطار يمكن الإشارة إلى جملة ملاحظات منبثقة من القانون كتوزيعه للضرر بين طرفي المعادلة "المالكين والمستاجرين" ، مع أن الأصل أن يكون التوزيع للمنفعة وليس للضرر ، وتقسيمه لمشكلة المستأجرين على مراحل ما قد يساعد في تدبر البعض منهم لأمره ، كما ان القانون بحاجة لإقامة محكمة مختصة بالمالكين والمستأجرين ، مع التفرقة بين التأجير السكني والتجاري ، وايضا من المتوقع ان يكون له تأثيره على ثقافة المواطنين الاجتماعية والانتقال من ثقافة تعاضد المجتمع الى ثقافة مجتمع المصالح ، والتي هي طبيعة اقتصاد السوق ، بالإضافة الى عدم الركون إلى دخل ثابت والسعي لإيجاد مصادر أخرى للدخل على الأقل لمواجهة الإرتفاعات المتوقعة في الإيجارات ، أي أن هذا القانون جاء ليقول لا للكسل ، وختاماً فإننا من حيث المبدأ مع الحرية الإقتصادية و اقتصاد السوق ، لكن تبين بالتجربة وكما هو واقع الآن من تداعيات الأزمة المالبة العالمية أن ترك الأمر لهذا الاقتصاد لأن ينظم نفسه بنفسه لم يكن مفيداً ، وأن قدراً من التدخل الحكومي يظل ضرورياً لضبط إيقاع هذا السوق ، وهو ما ينطبق أيضا على قانون المالكين والمستأجرين ، حيث يمكن للحكومة أن تحدد أساسا للإيجارات للإنطلاق منه أو للاستئناس به عند وقوع أي خلاف .
 
مراعاة الأمن الاجتماعي
 
نقيب المحامين السابق الاستاذ صالح العرموطي ، قال: إن رسالة جلالة الملك فيما يتعلق بقانون المالكين والمستأجرين كانت موجهة للدفاع عن الامن الاجتماعي ولمعالجة القانون ، ولكن اعتقد أن عملية الاعداد للقانون الحالي تمت بطريقة سريعة وغير ناضجة واخلت بالمراكز القانونية لجميع الاطراف ، وكنت أتمنى أن يبقى القانون الماضي: لأنه يحافظ على المراكز القانونية ، وأعطى المستأجر الضمانات الاساسية في ان لجوء المالك الى القضاء بصورة عادية وليس بصورة الصفة المستعجلة ، الا ان هذا القانون رحّل المشكلة سنة فسنة ضمن الجدول الوارد في القانون ، وضمن مراحل زمنية لاعطاء جرعات تسكين للمستأجر ، ولم يعالج المشكلة بصورة عادلة ، والدليل على ذلك أن المالك يستطيع ان يتقدم الى قاضي الامور المستعجلة بعد توجيه انذار عدلي يطالبه بالإخلاء ، فقد نص القانون :إنه في حال إخطار المستأجر خلال مدة عشرة أيام فإنه يحق بذلك للمالك إخلاء المأجور ، وانا ارى أنه لايجوز ان يصدر القاضي قرارا مستعجلا ، واعتقد ان في هذا خللا كبيرا في القانون لأنه يضع المستاجر في مهب الريح اذا اتخذ قرار الاخلاء ، لأن القانون اعطاه فقط حق اقامة دعوى موضوعية وهذه تأخذ وقتا طويلا ، وبالتالي: يلقي المستأجر الى الشارع ، وانا مع ان تتناسب زيادة الاجور مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي فليس كل مستاجر فقيرا ، وايضا ليس كل مؤجر غنيا ، واعتقد ان القانون لو دُرس بعناية فائقة لعالج هذه المشكلة ، علما ان قانون 2001 اقرّ بان العقد شريعة المتعاقدين ، لذا فمع الركود الاقتصادي من الطبيعي ان تكون الشريحة الفقيرة المعدمة وطبقة صغار التجار من اكبر المتضررين من استمرار هذا القانون بلا اي تعديل يراعي معالجة الثغرات فيه ، كما يجب ان يكون للحكومة دور واضح في ضمان ان يراعي القانون الأمن الاجتماعي والاقتصادي لجميع المواطنين ، اما بالنسبة لنصوص هذا القانون فأنا اعتقد انها واضحة ولا حاجة لتحويل القانون الى الديوان الخاص بتفسير القوانين ، كما انه لا يجوز للديوان الخاص بموجب الدستور أن يغير نصا سبق ان اصدرت المحاكم احكاما منه . الدستور - جعفر الدقس