صحيفة العرّاب

جدل بين المواطنين والمختصين حول فتوى بتحريم "الشات"

أثارت فتوى لدائرة الإفتاء العام، تحرم غرف المحادثة والدردشة (الشات) بين الشباب والفتيات على شبكة "الإنترنت"، جدلا واسعا في الشارع المحلي، وبين مختصين.

 وردت الفتوى على سؤال نصه "هل يجوز التحدث مع الشباب في مواضيع دينية على الماسنجر؟"، بحرمة ذلك "حتى ولو في أمور عامة ومباحة".
 
وبررت التحريم "بما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ويفتح للشيطان بابا للمعاصي، فيبدأ الحديث بالكلام المباح لينتقل بعد ذلك إلى كلام العشق والغرام، وبعدها إلى المواعدة واللقاء".
 
واعتبرت أن بعض هذه المحادثات "جرّت على أهلها شرا وبلاء، فأوقعتهم في العشق المحرم، وقادت بعضهم إلى الفاحشة الكبيرة"؟، مستندة الى الآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر".
 
ويبرر ذلك التحريم، أنه حتى لو كانت المحادثة حول مواضيع عامة ومباحة، الا أن منطلق الإقرار بتحريمها، يأتي من باب ما قد يترتب عليها، استشهادا بقوله تعالى "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض".
 
ويرى أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمود السرطاوي أن أي فتوى تصدر، تكون على أساس معيارين، أولهما: موضوعي كما هو الحال في فتوى تحريم المحادثة الخاصة بين الشباب والفتيات، والآخر شخصي.
 
والمعيار الموضوعي، بنظر السرطاوي، هو أن "فتاواه تصدر من دون النظر الى الظروف الخاصة بالفرد الواحد، أي تكون عمومية"، وبالنسبة لذلك، فـ"لا يجوز تحريم قضية المحادثة (الشات) بين الجنسين، لأنها قد تكون محادثة علمية بين طلبة العلم أو حتى اجتماعية للاستفسار عن الأحوال".
 
ويبين أنه "لا يجوز إصدار فتوى عامة لتحريم المحادثات بين الشباب والفتيات عبر الشات"، ذاهبا الى أن الفتوى يجب أن تكون بـ"معيار شخصي لمن يقعون في مزالق، بخاصة الشباب، وغير المحصنين في استخدام الأجهزة التكنولوجية".
 
وتظهر آخر البيانات الرسمية حول استخدام "الإنترنت" والاتصالات أن "عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في المملكة، يتجاوز في الوقت الراهن المليونين، أي بنسبة انتشار تتجاوز 29% من السكان".
 
وتبين هذه النسبة التي صدرت عن دائرة الإحصاءات العامة العام الماضي، أن نسبة الذكور المستخدمين لـ"الإنترنت" في الأردن تصل الى 59%، في حين بلغت عند الإناث نحو 41%، الأمر الذي يوضح حجم إقبال المجتمع الأردني على "الإنترنت".
 
وعلى ضوء ما سبق، يذهب أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي الى أن المجتمع الأردني "لن يتقبل ما أصدرته دار الافتاء العام بما يتعلق بالشات"، معللا ذلك بأن الأردن من أوائل الدول العربية التي أعطت اهتماما كبيرا للتكنولوجيا، فهي بحسب توضيحه "ثالث دولة عربية استقطبت الإنترنت في العام 1993 رغم محدودية مواردها".
 
وليس من الضروري، وفق اختصاصي الشريعة الدكتور حمدي مراد "أن يتقبل الشارع الأردني ما تنص عليه الفتوى، فما تضمنته "ينصب في مصلحة المجتمع على ضوء ما نظمه الاسلام من العلاقات الاجتماعية، التي تسير باتجاه إيجابي، بعيدا عن السقوط في الآفات والمعاصي".
 
ويوضح "أن فطرة الإنسان بطبيعتها جاهزة للإثارة الجنسية، فأي سبيل في هذا الاتجاه سيشكل تراكمات جنسية لدى الشاب أو الفتاة الى أن يقعا حتما في الحرام، ولعل من وسائلها المساعدة لحدوث ذلك، الشات".
 
وعن الأعذار في أن المحادثات عبر "الشات" هي مجرد أحاديث بريئة، يبين "أنها في حقيقتها، تنتقل تدريجيا نحو الغريزة والفطرة الجنسية قهرا وجبرا على النفس، الى أن يصل الأمر الى نتائج غير مرضية أخلاقيا".
 
وتستنكر الموظفة تالة عبد ربه ما سبق ذاهبة الى "أن مجرد الحديث مع شخص قد يكون زميلا أو قريبا عبر الشات، لا يحرك مشاعر أو غرائز جنسية، خصوصا بأن تلك الوسيلة من الاتصالات ما هي الا وسيلة غير ملموسة وغير مرئية، ولا يوجد فيها أي طرف من أطراف لغة الجسد المباشرة كالعين والصوت".
 
وترى عبد ربه أن التطور والحداثة اللذين يشهدهما الأردن "كسرا حواجز منع الاختلاط"، وبحسب ما تقول إن "الشات وسيلة اتصالات أقل خطورة من وسائل الاختلاط في التواصل بين الشاب والفتاة، كالهاتف أو خروجهما وحدهما في مكان عام".
 
يتفق الخزاعي مع وجهة نظر عبد ربه مبينا أن "الشات" في ظل وجود "الإغراءات" التكنولوجية، لا يقارن بوسائل الاتصالات الأخرى "بل هو عادة اجتماعية أصبحت رائجة منذ عهد ولادة الإنترنت في الأردن، ولا تعد مقياسا لوسائل التواصل عبر الإنترنت الأخرى".
 
ولم يسبق بحسب الخزاعي أن نظر الى موضوع الاختلاط أو الفارق النوعي أو الجنسي بين الذكر والأنثى بالنسبة لاستخدام "الإنترنت"، فوسائل الاتصال التي تندرج تحت زاوية "الشات في الإنترنت أمر لا مفر منه" بالنسبة للشارع الأردني.
 
من جانبه يرى عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور أحمد العوايشة بأنه "من غير الممكن الخروج عن رأي دائرة الافتاء الأردني العام"، ذاهبا الى أن ما يصدر عنها "يعد أمرا ملزما، فهي هيئة رسمية تقرر فتاوى انطلاقا من اجتهاد مجموعة من العلماء".
 
ويتحفظ العوايشة على إابداء رأيه الشخصي فيما يتعلق بالفتوى، معللا ما صدر عن الدائر بأنه على أساس أن "الشات مدخل للخضوع الى الخطأ، قد يؤدي الى الانحراف"، مستشهدا بقضايا رفعت الى المحاكم الشرعية الأردنية "تناولت مشاكل كان أساسها ذلك النوع من الاتصال، الذي قد يستهدف أناسا متزوجين يخالفون قواعدهم الزوجية".
 
من جهتها، ترى ربة الأسرة أم خالد أن مثل "تلك الفتوى يجب ألا تنطبق على جميع الأفراد بحكم أن كل شخص تختلف تربيته عن الآخر"، مشيرة الى أن رقابتها المستمرة على أولادها الذين يتواصلون مع معارفهم من الجنس الآخر عبر "الشات" تحول دون وقوعهم في الخطأ.
 
وهو الأمر الذي أكد عليه الخزاعي الذي يرى أن "المجتمع ليس بحاجة الى أن يتلقى فتاوى عامة، فمثل ما يتعلق بالشات، يجب أن يكون بوعي وإرشاد، تقوم به الأسر لأبنائها باختلاف أعمارهم وتنويههم عن المخاطر التي قد يتعرضون لها في حال سوء استخدامهم".
 
يعود مراد مؤكدا على أن الفتوى جاءت علاجا أخلاقيا تربويا ودينيا لما يحيط بالمجتمع من مداخل التشجيع على إثارة الجنس، وانحراف الأخلاق، مفترضا تبريرات أن "الشات" لا يؤدي الى الإثارة الجنسية أنها غير صادقة.
 
وبحسب مسح استخدام تكنولوجيا المعلومات وتقارير تحليلية، تبين أن نسبة مستخدمي "الشات" في منطقة الحضر في الأردن تشكل 44.9%، وفي الريف 26.9% فيما منطقة الوسط 49.3% والشمال 29%، اضافة الى منطقة الجنوب التي يشكل مستخدموها نسبة 34.2%.