• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

الصبية والعجوز الثري !

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2014-10-15
3887
الصبية والعجوز الثري !

 بقلم الاعلامي . بسام الياسين

( " إن الله لا يحب الجهر بالسوء الا من ظُلم...".فالجهر بالمسكوت عنه فضيلة اذا كان لمحاربة الرذيلة، حيث ان تطويق ظاهرة "الدعارة"،لا يكون بالطبطبة عليها بل بمواجهتها.فقد دأب أُولي الامر اعتماد سياسة الانكار ،لدرجة ان اطلق الاردنيون على احدهم "وزير النفي".العلة ليست بالظاهرة بل بمسبباتها.نخبة من بعض كبار المسؤولين دأبت على تهريب الوطن في حقائبها،وعصابة من تجار عمدت على اطعام الغلابا زبالة العالم.قصة واقعية اهديها لكبار الحرامية الذين يكنزون الذهب والفضة من الطرفين،ويبخلون بانفاق القليل في وجوه الخير). 


بعد انتهاء الدوام،اخذ الموظفون ينسلون من مكاتبهم على عجل،كانهم على موعد مع مدفع رمضان او غارة جوية ستقصف مؤسستهم . باستثناء موظف شاب نهض من على كرسيه بتراخٍ يوحي بانه لا يرغب في مغادرة المكان. سحب ستارة النافذة المطلة على الشارع .احس بكآبة تسري في اعماقه. السماء مشربة بلون حليبي ناصع البياض.الرياح شديدة تكنس ما علق بالارض استعداداً لاستقبال الضيف الابيض.سيارات تسابق الريح قبل ان تعلق بالطرقات او تعطلها الزحاليق.الكل في عجلة من امره الا هو اخذ يفكر اين يمضي ليلته؟!.وكيف سيغلق الباب على نفسه مبكراً في مثل هذه الليلة الاستثنائية.فالوحدة احدى مشكلات العزوبية رغم حسناتها الكثيرة.

*** ارتدى معطفه بهدوء.هبط الدرج بخطوات متثاقلة،واخذ يفكر ماذا يفعل في هذا اليوم الثقيل؟!.وكيف سيعود الى غرفته الرطبة، وهو ينوء بصقيع الوحدة الذي يفوق صقيع هذه الليلة.ليلة قطبية سيقضيها سجيناُ بلا سهر ولا اصدقاء.عندما وضع قدمه خارج بوابة المؤسسة. لسعت وجهه نسمة باردة، فيما اطفأت قطرة ماء شاردة سيجارته التي لا تنطفيء في فمه.هرول الى سيارته، وبعد عدة محاولات دار محركها البارد.انطلق عائدا للبيت. قاد سيارته بحذر شديد،و قبل ان ينعطف للشارع المؤدي الى غرفته،شاهدعلى الرصيف فتاة ملفوفة القوام، مرسلة الشعر، تنظر اليه وعلى شفتيها ابتسامة شاحبة، وفي عينيها دعوة.اجتازها بعدة امتار، ثم رجع اليها و اشار عليها بالركوب. دخلت السيارة مسرعةً، ولما احست بالدفء يسري في عروقها، نفضت حبات المطر عنها مثل قطة مبلولة جلست الى جوار المدفئة. توقف امام الاشارة الضوئية الحمراء.سألها وهو يتفّحصها بالمرآة : الى اين وجهتك يا صبية ؟. ردت مطأطأة الرأس يكسو ملامحها خفر اخاذ.... الى حيث ترغب. عاد ينظر اليها بنظرات فاحصة. عينان عسليتان، شعر كستنائي .جسد بكر يفور انوثةً. شعر بلذعة انفعال حيواني مفاجئ رغم برودة الجو،وذهب بخياله يرسم صوراً دافئة لهذه الليلة بعد ان خائفاً من بردها ووحشتها. 

*** وصل غرفته التي تعج بالفوضي،و باحساس انثوي فطري، قرأت الفتاة شخصيته من الالوان المتضاربة و الاثاث المكسو بالغبار، وصور لفتيات عاريات مرشوقة على الحائط تنم عن عطش شرقي للمرأة. احضر زجاجة مركونة في الزاوية.سكب لها كأسا وقال لها:هذا الاكسير سيبعث فيك الدفء والنشوة.رفضت بشدة، وقالت: انه السم الذي اتلف كبد والدي، وشرد عائلتي، فقال لها: اانت يتيمة ؟!. هزت رأسها بالايجاب،واعتلت ملامح وجهها غلالة من حزن و طافت بعينيها دمعة عزيزة . ذهب الى المطبخ لاعداد الشاي، انتهزت غيابه خلعت حذاءها.وضعته الى جانب المدفأة، وراحت تعصر اطراف ثوبها. حينما رجع الشاب لمح الحذاء المثقوب المشرب بالماء، ثم راح ينظر الى عينيها بنظرات محايدة - هذه المرة -. قرأ فيهما فجائعية انسانية مؤلمة، و احس انها موسوعة من قهر اجتماعي،وحصاد جريمة لا ذنب لها فيها. سألها بانفعال: ما هي حكايتك بالضبط ؟! اجابت كان الاجدر بك ان تسألني ما هي روايتك؟!... اخذت رشفة دافئة من الشاي وبدأت تسردها فصلاً فصلاً و احياناً كانت تنتحب بين فصولها.حين وصلت للخاتمة تحول الشاب من حيوان شبق لانسان وادع يفيض انسانية.عاد للمطبخ و اجرى مكالمة قصيرة مع احدهم،ويبدو انه حصل على موافقة فورية بلقائه، وطلب منها مرافقته . 

*** وصلا إحدى البنايات الفخمة في طرف العاصمة الغربي . صعدا للطابق الرابع.دخلا احد المكاتب الكبيرة، وطلب منه المراسل التوجه وحده الى مكتب المدير. قص على رجل الاعمال حكاية الفتاة .لم يمكث طويلاً ،فخرج من عنده قافلاً الى غرفته،وطلب من الفتاة البقاء.لم يطل انتظارها حتى اطل الثري العجوز حيث ان الدوام انتهى على ما يبدو، و اشار الى الفتاة ان تتبعه. ركب العجوز الى جانب سائقه في سيارة حديثة اشبه بالباخرة بينما ركبت هي في المقعد الخلفي.اجتازت السيارة عدة شوارع حتى عبرت لشارع فرعي ثم دخلت بوابة ضخمة .دُهشت الفتاة من فخامة البيت مقارنة بغرفة الشاب البائسة. طلب منها العجوز ان تتبعه للداخل فاحست بالدفء والطمأنينة رغم الغموض الذي يلفها.طلب اليها الجلوس في الصالون الكبير. بعد ان التقطت انفاسها وزال توترها.حضرت العائلة و عَرفّها العجوز بادب جم على افراد اسرته وبعد ان انفض الجمع، روى لزوجته البدينة الطيبة"قصة" الفتاة المشردة. في تلك الليلة افردوا لها غرفة دافئة. وفي صباح اليوم التالي بعد ان غادر الاولاد البيت. قالت الزوجة للفتاة وهم يتناولون الافطار: سنرتب قريبا لك امر عودتك الى الجامعة، و اقامتك في سكن الطالبات و اضاف الزوج: بامكانك العمل في احد فروع شركتنا في الفترة المسائية. بعد هذا الكلام الابوي احست بدوار كاد ان يسقطها على الارض،لان خيالها لم يحلم بمثله الا انها تماسكت.وتذكرت الدرس الديني الذي سمعته مرة في التلفاز قال فيه الشيخ الداعية: ان لابليس جنوداً يضلون الناس ويجرون النساء للفاحشة ويقطعون الارزاق ويمنعون الماعون.وهناك رجال يعملون كل وجوه الخير ويساعدون الناس لا يبغون الا مرضاة الله.و ادركت انها وقعت في احضان عائلة كريمة .

*** بعد تلك الليلة الهادئة وحديث الام الذي بعث فيها الامل.تفجرت طاقة مخزونة في اعماق الفتاة وانقلب توترها الى سكينة، وقلقها الى وقود حرك تفوقها،وقلب احباطها الى دافعية جبارة. انتسبت للجامعة، وتخرجت بعد اربع سنوات بمرتبة «شرف» .بعدها حصلت على وظيفة محترمة بمساعدة الرجل الفاضل في دائرة حكومية،واخذت تساعد امها و اخوانها . في الدائرة كانت مثار اعجاب الجميع من المدير حتى المراسل.شخصيتها الرصيىنة الجذابة،تفانيها بالعمل،حسن معشرها،تقاطيعها الحزينة اوقعت في حبها احد زملائها.حاولت التهرب منه رغم حرارة عواطفها نحوه لانها نذرت نفسها لمساعدة عائلتها الا انها ام تفلح.قاومت في البداية بشدة طلبه بخطبتها،لكنها في رضخت لطلبه و استجابت لالحاحه. 

*** سألها عن عنوان اهلها. فاعطته عنوان الرجل الفاضل و اخبرته انه الاب الروحي لها.لم يتأخر الشاب فذهب اليه و طلب يدها من الثري الانسان.قام الاخير بدوره بالاستقصاء عن سيرة الشاب وبعد ان ايقن من نقاء سلوكه،وافق عليه .تكريما للفتاة اقام حفل زفافها في دارته الجميلة. بعد عام انجبت مولودها الاول و اطلقت عليه اسم الرجل الفاضل الذي انقذ روحها من الضياع.علم الثري الفاضل بذلك. فذهب اليها بصحبة زوجته و اولاده ليباركوا لها ولزوجها بالمولود الجديد.التقى الجميع بساحة المنزل لان غرفة الضيوف ضيقة لا تتسع الطرفين. تبادلوا التحيات الحارة، والدموع السخية. قالت الفتاة للرجل الطيب: انني عاجزة عن رد جميلك يا والدي. رد عليها ان الشكر لله وحده، وان طفلك هو المرآة التي ارى فيها نعمة الايمان، وحلاوة المال الذي كرّمني الله به.

*** فالحياة لا قيمة لها اذا تجردت من القيم وعلى راسها الادب و الاخلاق و الايثار. فـ" الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، وأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه " وبالمفهوم المخالف ان ابغض الخلق الى الله الذين يعرقلون الناس،ويكيدون لهم، ويفترون عليهم .على راسهم الذين يحرمون الناس حقهم في العمل والدراسة اولئك كتب الله عليهم الذل والخزي في الدنيا و الاخرة مأواهم جهنم وبئس المصير .نهضت الفتاة مسرعة لتقبّل يد العجوز الطيب، الا انه سحبها بسرعة خاطفة ،وبدوره قام بتقَبيّلَ جبينها قائلاً لها بصوت خفيض : ارجوك يا "بنتي" لا تلعبي دور الضحية فانت هبة من الله جاءتني من حيث لا احتسب .فالمال مال الله وما قدمته لك هو حقك من ربك وليس مِنّةَ مني،فلا تيأسي من روح الله"فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".ان الله تعاظمت عظمته وتجلت قدرته يمنع عن الانسان احياناً ما يريد،ليمنحه هو ما يريد،وتلك حكمة ربانية لا يعلمها الا هو.حينما انهى الزوج حديثه، اندفعت الزوجة واحتضنت الفتاة بحب، ثم طوقت رقبة المولود بسلسال ذهبي يحمل مصحفاً شريفاً نقش عليه « وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ».

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :

نذير العموري16-10-2014

ابدعت ياسيدي وابكيتني شكرا لله الذي لم يزل عندنا طيبون يخافون الله ويقدمون الخير بصمت
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

العمري15-10-2014

قصة نجاح تدرس لاصحاب القلوب الميتة... وتفتح المجال للمتناسين لفضل الله عليهم لمساعدة الاخرين ..... سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .

زوز14-10-2014

اخي بسام هل هذه القصه واقعيه
رد على التعليق
capcha
: كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها .
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.