• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

“الرقاصة “:هل تُعيد الناس للسياسة ؟!

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2015-09-29
6572
“الرقاصة “:هل تُعيد الناس للسياسة ؟!

بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

 الراقصة “سما المصري” قررت ان تدخل السياسة بترشيح نفسها لمجلس الشعب،و اذا كان لكل شيءٍ باب،فان للسياسة الف باب وباب،الا انها فضلت ان تدخلها من باب الهز مع السادة الكبار،والصعود الى النجومية  لاختصار الوقت والمسافة .” الفنانة “ملتزمة بمعايير الرقص الدولية ضد الخلاعة، اقسمت اغلظ الايمان انها ليست “رقاصة “،وما قامت به في عُلب الليل وقاعات الفنادق و حفلات الاعراس، ليس رقصاً يثير الغريزة، انما سياسة مُثيرة، تثير شفافية الروح،وتُخلص النفس من ادرانها، وترفع عن الاعصاب اثقالها.المتفرج عندما يرى ما يرى قامة مسحوبة،حركات متناغمة مدروسة،شَعراً مُرسلاً على الاكتاف،يتناثر كشلال ليل على جسد ثلجي البياض. لحظات رومانسية حالمة كهذه،تجعله يتهادى على موجة ناعمة ليطير بلا اجنحة، يحط على نجمة بعيدة بلا كبسولة فضائية.هذا نقيض السياسة التي تقتل المشتغل فيها.اما ان تضربه جلطة قلبية تذبحه او تجره الى فضيحة تشله.

 

 بدهية ان السياسة فن الممكن و” سما” فنانة تمتلك امكانيات كاملة ـ “فل اوبشن”ـ  للخوض مع الخائضين،والسباحة في بحرها العميق.،بهذا تجمع الحسنيين معاً تحت عباءة واحدة. الرقص الشرقي القائم في ادائه على “النصف التحتاني”،و السياسة التي تتجلى في “النصف الفوقاني”،بحدودها العربية من السُرة للحنجرة ليس الا ،لان هذا هو مدى التحليق المسموح به امنياً ؟!. “سما” لا ترقص اليوم وحدها، انما مصر كلها ترقص كالذبيحة من فساد ولاة الامرة،لصوصية النخبة،جشع التجار،ترهل المؤسسات،سقوط الاعلام،خراب القضاء،انهيار القيم.ما زاد الوحل قذارةً والطين ماءً حتى اصبح كالشوربة ، ازدياد سجناء الراي،الصحافيين،الحزبيين حتى ضاقت بهم المعتقلات كما ضاقت ارصفة  القاهرة بالمتسولين والقطط الجائعة واكتظت شوارعها الخلفية بالكلاب الضالة والمشردين . بمعنى ان الرقص بمفهومه الاشمل لم يعد  قاصراً على كباريهات شارع محمد علي، كما كان ايام زمان،لكنه انتشر في الآونة الاخيرة كـ “جائحة” لم يخلُ منه مكان .

 

في مقطع متخيل لمؤتمر صحفي للراقصة الحاملة درجة  بكالوريس /  ادب انجليزي،وقد إنتابتها  ” نوبة  هز مباغتة”  في بداية المؤتمر،أخذت تنقر باصابعها على طاولة امامها ايقاع ” “رقصّني يا جدع “،متحدثة بغنج للصحافيين وعدسات المصورين : ايوه صحيح، الرقص فن الهز والكشف عن السُرة،لكن السياسية بتعريفها الاعمق: فن الكذب والكشف عن العورة.السياسيون كقراصنة البحر لا يعرفون الله الا ساعة الغرق. افضل وصف يليق بهم،تلك الحكمة الروسية الشهيرة : ( في مستنقع الاكاذيب القذرة لا تسبح الا الاسماك الميتة ) . الرقص اشرف الف مرة من السياسة،و اكثر سِترة للحرمة رغم كشف الجسد حتى الُسرة. التعامل مع السياسيين مرعب ومخيف يأخذك الى جهنمهم لانهم بلا دين ـ كلهم عايزين يتزوجوني عُرفي…بعضهم عرض عليَّ شقةوزواج مسيار، اما بياع اللحمة الفاسدة قال لي : يا ” سما انت تستاهلي عزبة وسيارة جديدة و شوية خدم “.في الرقص ابواب التوبة مفتوحة .رغم مخاطر اللعبة الجديدة، الا انني تخليت عن مهنتي كراقصة محترمة وشريفة “من البيت للكباريه،ومن الكباريه للبيت”، وقررت ان العب سياسة.

 

 سندي اصحاب الاقلام المنتصبة مثل اعمدة “النور” الحديدية التي تنير دروبنا،يسعدني ان اكشف لكم حقيقة غائبة  : ـ في حقبتنا المعاصرة صار البرلمان ـ زي الاذاعة ـ لاختبار الحناجر الملعلعة كاننا في “حسبة” لبيع الفجل وبرتقال ابو سُرة،و احياناً اخرى يصير البرلمان ـ زي الفضائيات التجارية ـ  لتلميع الوجوه الكالحة و “سنفرتها”.الحياة البرلمانية، لعبة يدور فيها المتنافسون حول الكراسي كانهم في حفلة “زار” يغلب عليهم الخشوع والاستكانة، طلباً لرضا الدرويش الاكبر المعمم الجالس في القرنة خلف ستارة .يحرك الجميع بالموسيقى التي تناسب المرحلة .اشارة منه و تبدأ لعبة الكراسي الموسيقية. الجميع بالاجماع يتمايلون بحركات دروشة في طراوة النعناع. يدورون حيث الكراسي تدور، ليحظى واحدٍهم بكرسي ونمرة سيارة وشرهة لتحسين الحال،و الا خرج من “الحضرة” مطروداً من رحمة السلطان، مركولاً باقدام الاعوان .لاجل هذا تراهم يتراكضون مهووسين للفوز بالرضا.رجال بشنبات “يتطعوجون” كالستات طمعاً بتذكرة جلوس تحت القبة،كأنهم مشوا على الصراط الى الجنة.

 

هؤلاء هم المصلحيون لا المصلحون . ـ يا حبايبي حملة الاقلام الواقفة كالاشجار،،المثقلة بالثمار الشهية ـ … الاصل في  نائب الامة ان يدور مع الحق اينما يدور، كما قال الامام على كرم الله وجهه،لكن هؤلاء لا يعرفون بالسياسة الا ما يعرفه معممو الشيعة عن سيرة سيدنا اما المتقين ابو الحسنين،سوى ما حدث في سقيفة بني ساعدة .هذه هي الجاهلية الثانية التي لم تزل اثارها تتداعى حتى يومنا هذا منذ (1400) سنة. احست الراقصة سما بعطش بعد طول حديث،فطلبت كأس ماءٍ باردة لتبلَّ ريقها.ما ان ارتوت حتى حمدت الله على هذه النعمة،وقالت مازحة : اصبحنا لا نتذوق الا “الميه المعلبة  في القناني البلاستيكية ” رغم اننا نجلس على ضفة النيل احد انهار الجنة.مسحت جبينها كأن فكرة مهمة لمعت في ذهنها وقالت بنبرة جادة: هل تذكرون الثمانيني “فتحي سرور” الذي قضى عشرين عاماً على كرسي رئاسة النيابة. كان يطمح ان يموت وهو قاعد عليه،لكن الثورة شلعته مثل مسمار اعوج .سر استمراريته كانت كلمة ” موافقة”.بعده يردد الاعضاء كالببغاوات ـ موافقة ونص ـ فصارت الكلمة سخرية،وارتبطت باسمه فاصبح فتحي سرور الشهير بـ ” فتحي موافقة”.

 

 

“سما ” لم تتمالك نفسها وقالت بلا مقدمات يا جماعة:لن امسك على “شنبي” مثل باقي الرجالة الهايفيين بل على اضع يدي على “سُرتي” المكشوفة، و اتعهد بها امام الناس اجمعين، لانها مركز ارتباط حبلي السّري بـ “ماما” ،ثم صارت الحبل المتين الرابط بيني وبين ” بابا ” وطني الاشمل. برنامجي الانتخابي يتلخص بادائي .ما سافعله هو الطب البديل ـ العلاج بالموسيقى ـ .ساعة ادق بقدمي ” ديسك” مجلس الشعب،و اهز اركان المعبد، ستعرفون الفرق بيني و مَنْ سبقني من الخائبين الذين جاؤوا بالتزوير: ” بتاع حزب الفلول وجماعة الالو” او العائبين من اصحاب الرساميل و الوزن الثقيل،و عواجيز تجار الكيف والخردة،ولحمة الكفتة الذين تسلقوا ظهور الغلابا الطفرانيين “بشوية فلوس و كمشة طحين وقطعة هبرة “. ابتسم صحفي عجوز،فقالت له : ” مبين عليك من بدلتك الثمينة،وسيجارك الفاخر انك بتاع هبرات”.

 

 رن هاتفها المحمول لكنها اخرسته بعد ان القت نظرة خاطفة على الشاشة، مُتمتمة : “مش وقته دلوقتي يا حسنين… دايما انت مولع ما بتنطفيش زي نار المجوس،مش راحمني حتى بالنهار..صبرك عليَّ شويه،بالليل احلى”.ثم التفت ناحية الصحافيين قائلة : انا مصابة بوسواس الدقة.لذلك ستتأكدون من مدى انضباطي مع اوتار القانون،وقدرتي على التناغم مع طبل الدستور،وستشهدون ميلاد مدرسة جديدة في الاداء النيابي عندما احصل على مقعدٍ تحت القبة…بداية سأسقط  الاعراف البرلمانية المحنطة. فبدل عنتريات الخطب والاسترسال في الكذب كعادة “نواب الشعب”،ساقدم بعد كل تصويت على قانون وصلة طرب،ورقصة “عالوحدة ونص” لكسر الرتابة.الناس ـ يا ناس ـ “قرفت” سيرة النواب “الي بتقطع الخلفة” و “زهقت” وجوهم الي “بتجيب الجراد من موريتانيا”.

 

الرقص ـ يا حبايبي ـ  تحت القبة امتع مما جرى ويجري في جنباتها من سفاهة، تصل احياناً للتفاهة والتراشق بالجِزم .مرشح النيابة اكثر ما يهمه زواج متعة عابرة خلال ايام الانتخابات مع اصوات الناخبين. يقيم لها المآدب،يوزع الهدايا، ينثر الوعود،وعندما يحصل على ما يريد،و يقضي وطره. اول ما يفعله تغيير رقم هاتفه  ثم يرتدي “جُبه خضرا “، للتحلل نهائياً من الناخبين بقص شعره،وتقليم اظافره والاغتسال من جنابة التزامه بتعهداته.  تجدونه بعد الجلسة الاولى يخلع ثياب الاستجداء، ليرتدي ملابس الاستعلاء،مٌنكراً ناخبيه، ومتنكرا لموآزريه ، تماماً كما فعل اللعين الممثل احمد عز مع الحزينة الممثلة زينه،حينما اخترق “خط بارلييف” المحصن ثم رافع اعلامه الذكورية على الضفة الاخرى،بعدها انسحب من معركته السريرية غير مكترثٍ بتسعين مليون مصري.الادهى انه ترك لها “توأم زنا” ومشى . هكذا هم النواب في كل الدنيا الا من رحم ربي من القلة المؤمنة التي فشلت الدولة في اخصائها. اما انا كانثى ـ غير قابلة للاخصاء لانه “ما عنديش حاجة اخاف عليها”.حينذاك ساثبت لكم انني ازلم من ازلم نائب في المجلس . كما ان هناك حقيقة يجب ان يعلمها الجميع ،ان النواب لا يتقنون الرقص مثلي او المشي مثلكم بل “الحنجلة” لانهم ضيعوا مشيتهم،وباعوا هوياتهم السياسية . ما تسمعونه عنهم من فحولة،مجرد طخ في الهواء لا يسقط ذبابة، ولا يخيف “قطة” اذا اقتحمت مجلسهم عنوة . مجرد رنة ” آلو” تنبطح الزلم ارضاً،وتختفي الاسلحة.وتتطاير الشعارات المكتوبة بلغة ساذجة ضحلة في السماء كالعهن المنفوش .                                                                                                                

         

” سما ” اكدت : ان  الهز نوع من الاسترخاء،فقد اوصت به المدارس النفسية الحديثة لانه يؤدي بالضرورة الى التحرر من اعباء الحياة، ويخفف من ضغوط الغلاء، ازمة المرور،البطالة . ناهيك عن التخلص من التوتر والقلق اللذين يسهمان في خفض منسوب تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة. انظروا مثلاً “زوربا اليوناني”،البطل الذي انتصر على البؤس و اليأس بالرقص. شرب من نهر الحكمة حتى ثمل.راح يتمايل يمنةً ويسرةً على قمة الدنيا، راقصاً كنسمةٍ،فارداً يديه كطائر محلقٍ فوق دونيات الارض الصغيرة،معاهداً نفسه ان لا يخفض جناحه لمخلوق او سلطة بعد استشراء “السرسرة” باشكالها كافة.معلناً ان الرقص فن التحايل على عدمية الحياة ،ظلم و ظلامية ا الاجهزة القمعية المتوحشة.بهذا المعنى فان الرقص لغة الجسد  التعبيرية، لغة اكثر بلاغة،و اشد سحرا من اللغة المحكية؟!.ثم اليس الجسد لغة العشاق في العتمة. هناك يُفسد الكلام “القعدة” ويُجردها من المتعة ؟!.

        

الحقيقة ان “الرقاصة سما” فيلسوفة ،وفنانة مبدعة من طراز رفيع تأثرت بالمدرسة الاغريقية بتقديس الجسد والتركيز على تفاصيله.الاغريق تفوقوا في فن نحت التماثيل العارية بمقاييس اثارث دهشة علماء التشريح حتى يومنا هذا .كما انها ضحت بمستقبلها الفني وشهرتها لخدمة المسحوقين،وسكان العشوائيات والدفاع عنهم ضد سطوة اهل السطوة. تضحية يجب ان تُقّدر لها شعبياً، حزبياً ونقابياً. اما معجبوها، رواد العُلب الليلية الذين غضبوا عليها لخلعها بدلة الرقص المهيبة، فقد قررت اثبات نظريتها لهم “هزاً وموسيقى” ليروا باعينهم على ارض الواقع : ان الفاصل بين السياسية والرقص ليس ـ نقرة طبل او هزة خصر ـ انما ـ شُعيرةُ تحت السرة ـ  تدق على الرائي رؤيتها حتى على زرقاء اليمامة، رغم ما أُوتيت من قوة بصر وبصيرة .

 

ما يجرح الضمير العربي ان الاداء السياسي بعد ان افرغته الانظمة من مضمونة،وجردته من اسلحته،بلغ حد التماثل مع الرقص العاري الشرقي او ما يعرف بهز الخصر.فالاثنان ينضحان من “جورة” واحدة. “سما” بحدس الانثى ،وثقافة الرقاصة ، وفكر الفتاة الجامعية المتعلمة،هزمت نواب الامة بالضربة القاضية.اما تضحيتها الكبيرة باعتزالها الرقص،هي تشبه ذلك “الديوث” الذي يضحي بخنزير ويوزع لحمه على الفقراء لخداعهم وشراء تعاطفهم،مقتنصاً فرصة  الاضحى المبارك،وحاجة المحتاجين الى ” قطعة لحمة” خاصة اننا في عيد، و الجميع عـ”الحديدة”.

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.