• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

ثغرات قانون الانتخاب... والرجل الكذاب !!

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2016-03-29
3925
ثغرات قانون الانتخاب... والرجل الكذاب !!

بقلم الاعلامي ..بسام الياسين

((( قانون الانتخاب )))

*** إنشغلت النخب واشتعل الاعلام،بقانون انتخاب عصري غير مسبوق ولا ملحوق. مجلس النواب أُقرَّه في خمس جلسات ـ لا غير ـ. بموافقة متوقعة كما عودنا على موافقاته المستديمة،عملاً بالقاعدة الشعرية : ـ ما قال ( لا ) قط الا في تشهده / لولا التشهد كانت ( لاؤه) نعم !. .... اطلق المجلس الموقر صافرة الـ " نعم " لبدء إنطلاق قاطرة الاصلاح السياسي تلبية لرغبة الحكومة،لا حسب ما يتمناه التيار الشعبي العارم صاحب الاغلبية الغالبة،و الارادة الغائبة المُغيبّة.هدف الاصلاح والتنمية التواق الى ديمقراطية كاملة الدسم لا منقوصة و لا مغشوشة... قرآءة مُتأنية للقانون "المعجزة ".فبالرغم ما قيل في ـ مدحه ـ ،وما لم يُقلْ في قدحه، فانه لا يُحقق ما كان ينشده المواطن المغلوب على امره الصوام القوام، الذي صام سنوات طويلة على صوت واحد ثم افطر على بصلة "القائمة"،فبدت كأنها زواج متعة محدد الاجل و الاجرة الذي اجمع جميع الفقهاء على تحريمه لوجود شبهة خلا " الفرقة الضالة" التي اجازته لشغفها باللذة المحرمة مهما كان مصدرها،اولئك الذين تأثروا بالفلسفة الرواقية الاغريقية.فتغيير القانون اصبح مثل تبديل الحريم.

 الناخب التواق للانعتاق الى فضاءات الديمقراطية،الحرية،العدالة،سيادة القانون،ظل حبيس رغبات المشرع الرسمي،مُكبل اليدين في اختيار مرشحه،لا يستطيع الخروج من البرواز المحشور فيه مثل صورة المتوفي المعلقة في صدر البيت ايام الابيض و الاسود مع اننا في عصر التلوين التكنولوجي و مزج الالوان،و اختراع البعد الثالث.

ما يعني ان الالتزام بالقائمة إجباري،وتجاوزها مخالفة تُسقط صوت صاحبها.فالتصويت لمرشح القائمة فريضة و الا فباطل صوتك.اما التصويت لمرشح في قائمة اخرى وجمع صوتين في ورقة واحدة يوافقان رغباتك السياسية على مخدة واحدة.فهذا ينافي شرع المشرع ولو كان يتطابق مع توجهاتك ويتناغم مع تطلعاتك.المفارقة انه لا حلال لك الا ما يحللونه هم لك ،و الا فافعالك من الموبقات السبع.ومن يشذ عن القاعدة فهو آثم بنظرهم لا يُدعى الى ' العرس الديمقراطي '،وبالتالي يُحرم ان يشم ريح الجنة الانتخابية وتغميس اصبعه في حبرها السري. 

القانون الجديد السابق لعصره وعصر غيره تم عصره بحيث لا ترشح منه حكومة برلمانية لاستحالة جمعها من قوائم متناثرة مُتعارضة، حيث لا يجمع بينها جامع. بصريح العبارة ـ قائمة كل مين صوته إله ـ،اذ اننا ما زلنا في متاهة الصوت الواحد، فلا إختيار للناخب الا ما اختاره 'المختار' له على طريقة ـ الخيرة في ما اختاره المُشرع ـ لاعتقاد الاخير بعدم نضج الاول او قصر اهليته. 

في كل الاحوال،القانون ليس له صفة القداسة التي تمنع الاقتراب منه وتحليله وحتى تشريحه.ورغم نقائص قوانيين الانتخاب السابقة و اللاحقة، فان المشكلة براينا تكمن اولاً، و ثانياً، وثالثاً،و عاشراً في الناخب نفسه.ناخب ظل في وضع المتلقي بطريقة ببغاوية.دوره سحب عصاه في وجه خصوم مرشحه يوم تقع الواقعة الانتخابية، والفزعة لـ 'زلمته' وابن عشيرته ـ فزعة عرب عرمريمية يافطتها العريضة ـ عليهم عليهم حتى لو وصل الدم الى الركب ـ مع قناعته المطلقة ان مرشحه 'سقيطة'، لا يملك الحد الادنى من مؤهلات اعتلاء صهوة كرسي النيابة ، بل اضعف ان يسوس دابة الا انه مع هذه القناعة، يدوس بنعله الصلاحيات الممنوحة له كناخب له حرية الاختيار،و يختار الاسوأ،بعدها يندم على ما اقترفت يداه. 

المشكلة الام في الانتخابات، اننا لا زلنا ننتخب ' الشخص' لا البرنامج،ابن المنطقة لا نائب الكتلة،مرشح العشيرة لا مرشح الحزب،مرشح الخدمة الانتهازي لا الكفاءة النزيه. وعند الفرز نلطم وجوهنا لاننا انتخبنا مجلس نواب بلون واحدٍ باهت،من ذات القماشة القديمة. مجلس بلا معارضة ،وان وجدت فهي هزيلة.معارضة تقوم على الهوبرة لتحقيق مصلحة شخصية او شعبوية. فكيف يأتي مجلس نيابي قوي ليحمل بيرق الديمقراطية،ويرفع سقف الحرية،ويطبق قوانين العدالة الاجتماعية المفقودة.المجلس القادم كما هو متوقع له من افرازات قانون الانتخاب الجديد،وبقاء الناخب على ما كان عليه سيكون مثل كورال غنائي حيث سيُغني اعضاؤه المائة ما يُملى عليهم من اناشيد،كاناشيد المدارس الصباحية الموحدة ـ حتى انتهاء الدورة ـ.فلا تغرنكم لعلعة الحناجر العالية، الايادي المتوعدة بالضربة القاضية للحكومة. كلها حركات من لزوم المسرحية النيابية الاستعراضية التي اصبحت ممجوجة مملة. 

تأكيداً لما سلف فاننا نراهن ان المجلس القادم ستجمعه كلمة ' آلو ' السحرية، وستفرقه الجملة التهديدية : ـ ' اسمع وَلَه زي ما جبناك عونطه...بنْزتك بره العتبة'. الاخطر ان القانون الجديد حرر الناخب من ' الصوت الواحد'،و حوّل اصوات اعضاء المجلس المائة الى 'صوت و احد' لخدمة قرارات الحكومة الراشدة الرشيدة،ولم يبق من المسميات الا اعلان الرئيس القادم ' خليفة '. 

((( الرجل الكذاب ))) 

*** كان المرحوم ذكياً، وناجحاً في عمله. اثار حسد من حوله.عيبه انه كذاب من طراز رفيع. فمهما أُوتيت من فطنة وشدة ملاحظة لن تستطيع التمييز بين صدقه وكذبه.المشكلة إنْ فرضته الاقدار عليك،فتصبح حالك حالة المضطر الى اكل الميتة،و الاستماع الى اكاذيبه رغم انفك من باب ـ مكره اخاك لا بطل ـ .عندها لا تدري ماذا تفعل ؟!.هل تُكذب صدقه ام تُصّدق كذبه،وفي كلا الحالتين تكون في حيرة من امرك،كيف تغربل احاديثه وتفرز كذبه من صدقه ؟!.هنا تضطر لتسليم امرك لله،وتدعوه اناء الليل و اطراف النهار لإنقاذك من ورطتك....هذا ان ـ اكرمك الله ـ و كنت على دراية بتاريخه او اسعفك الحظ بان يلفت ـ ابن حلال ـ انتباهك الى ان المذكور ـ اوطاه ـ يمتد نسبه الى مسيلمة الكذاب. 

الطامة ان اصطادك بمفردك من دون معرفة سابقة.لا شك انك ستقع في مصيبة لا فكاك منها، اذ انه يمتلك ادوات النصب كلها :ـ اناقة...شياكة...لباقة في فن طبخ الحديث على اصوله وموهبة فائقة في اختيار البهارات المناسبة لكل ' طبخة'،وذائقة مبهرة في استعمال المنكهات الطيبة والمحسنات البلاغية.عندها لا تفتأ من الافتنان بسحر جاذبيته،لدرجة انه يسحبك كالمُنوّم مغناطيسياً للسقوط في ' شبكته العنكبوتية' كفراشة طرية،بفعل قدرته التضليلية،او يجرك كالمضبوع الى مغارته الكريهة. لا تحزن... و لا تجلد ذاتك على المقلب الذي بلعته،لان الحواة انفسهم...و لاعبو البيضة و الحجر سقطوا في فخه،وهم يدينون بالفضل له والطاعة اليه في رسم ضروب النصب لهم، ونسج قصص الكذب لاخراجهم من ورطاتهم،ناهيك عن تقديم الاستشارات المجانية والنصائح لهم فيما أُشكل عليهم من مشكلات مستعصية. 

لعبته المفضلة كانت اطلاق خبر وفاته،ليلفت انتباه الاصدقاء اليه،وزيادة اهتمام الاقارب به. كأن يرتمي ارضاً امامك بحركة مسرحية...يُطبق اجفانه...يتماوت... فلا تدري هل مات حقاً ام نبذته الحياة لانه ليس جديراً بها ابتداءً...تحمله الى اقرب مستشفى على عجل،وبعد الكشف عليه في الطواريء، تكتشف انه خدعك. تكررت لعبته حتى غدت ممجوجة كحكاية الراعي الذي قرأنا عنها في الصفوف الابتدائية....هذا الكذاب المحترف لي تجربة معه. ذات مرة وعلى حين غرة.القى نفسه امامي ... اطلق زبداً كثعلب ماكر من فمه... لم يصحو من غيبوبته المصطنعة حتى استدعينا له والدته العجوز ـ حسب نصيحة شركائه في اللعبة الذين يعرفون ـ علته وترياق شفائه ـ.،فتقوم ـ ست الحبايب ـ فوراً بملءِ جيوبه بالعملة الصعبة والوعد بسداد دينه.يتملل قليلاً ثم ينفض جسده كأن شيئاً لم يكن. العجوز المتدينة الوارثة لم تنقض وعداً لولدها المدلل.وبلا تفكير لسذاجتها تبيع ارضاً بنصف قيمتها لتنقده سيولة او تسدد شيكاته المستحقة خوفاً عليه من السجن. 

قبل فترة وجيزة.استفاقت الشكوك في داخلي حين ابلغني صديق صادق عن مصدر موثوق ان الكذاب: فعلها ـ لقد مات حقاً ـ لا تمثيلاً ،ولما سالته عن ـ مصدره الموثوق ـ اقسم لي انه الطبيب المناوب الذي وقعّ على شهادة وفاته،و تأكد بنفسه من انقطاع انفاسة و توقف نبض قلبه.في اليوم التالي مرت جنازته امامي،لكنني رغم التطمينات الطبية والشعبية الا ان الشكوك ما زالت تساورني حول موته.فانا لم اسمع، اقرأ، التقِ بكذابٍ في حياتي اكذب منه. تحركت خلف الجنازة ونظراتي مسمرة على نعشه،عله يُطل براسه،ليُكَذّب خبر موته باعلانه للملأ انها مجرد كذبه صغيرة من اكاذيبه او يمد بلسانه للمُشيعين ليقول هازئاً بهم: ـ هذا مقلب انطلى عليكم.الحق انه لم يفعل شيئاً من هذا القبيل،وبقي ساكناً في نعشه الا ان رهاني مع نفسي ظل قائماً،بان الرجل ' بتاع حركات قرعة ' ؟!. 

شعرت بالندم هذه المرة،بتكذيبي له،خصوصاً عندما اهالوا التراب على جثته وامتلأ بالحصى فمه.عندها بدا لي ان لا امل بان ينطق كذباً مرة اخرى،ولا يحرك عضواً كالزمّار الذي يموت و اصابعه تلعب...صمت الناس حين لقنه الشيخ ما سيقوله امام الملكين ـ منكر ونكير ـ الموكلين بحسابه ،وحذره ثلاثاً من الكذب عليهما لانهما يلقيان المعلومات من الملكين الجاثمين على اكتافه ـ عتيد ورقيب ـ.بعدها اصطف اهله لتلقي التعزية بوفاته،فيما كانت مشاعر السعادة تدغدغ اعماقهم من دون ان تظهر على وجوههم،لخلاصهم من كذاب، طالما احرجهم بلسانه الذي يشبه مزراب يزرب كذباً على مدار السنة حتى ايام القحط لا ينفك عن التنقيط . 

كنت آخر المعزين الذي حمل لهم مشاعر اهل الحي الصادقة بمناسبة ـ فراقه ـ والسعادة المكتومة التي عمت كل معارفه بالخلاص من لسان كالمنجل لم يحصد سوى الكذب المُخجل.عدت ثانية الى قبره بحجة قراءة الفاتحة، والدعاء له بالتخفيف عنه ساعة حسابه، بينما الحقيقة كانت عودتي للاطمئنان على موته ـ والخوف ان يفاجئنا كـ ' خُلد ' يخرج من حفرته من حيث لا نحتسب.عندما لم ار اثراً لفتحة هنا او هناك ايقنت ان موته لم يكن مسرحية عبثية هذه المرة انما حقيقة يقينية. ما آلمني ان 'الرجل الكذاب' صدق مرة واحدة في حياته، في حين ان الساعة الخربة تصدق في اليوم الواحد مرتين. اما ما افزعني ان ظاهرة ' الرجل الكذاب' قد استشرت في مجتمعنا حتى صار الكذب هو الاصل و الصدق استثناءً.


أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.