• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

قرصنة الرغيف وحافة المجاعة ! بقلم بسام الياسين

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2017-11-22
3037
قرصنة الرغيف وحافة المجاعة ! بقلم بسام الياسين

الاعلامي .. بسام الياسين

 {{{ كي نعيش في دولة المواطنة الحقة و نتفيأ ظلال العدالة الأجتماعية . يجب ان تُسحب كل الامتيازات الممنوحة للنخبة التي حازوا عليها دون وجه حق، في غفلة من شعب مشغول بالبحث عن خبزه،و سياسيين يلهثون خلف مكاسبهم الخاصة.

"المتفردون" انفردوا بالبلاد يفعلون بها ما يشاؤون بلا حساب ولا عقاب.وبلمسة سحرية اصبحوا اصحاب ملايين،مع انهم لم يشقوا ثُلماً لزراعة شتلة او يدقوا مسماراً في جدار الوطن.سؤال يحفر ويُحَفِز الذاكرة الشعبية على الدوام :ـ كيف يصبح الموظف مليونيراً مع انه ليس وارثاُ ولم يربح ورقة يا نصيب مليونية.ناهيك ـ لا هو ولا ابوه ـ يملكان بقالة صغيرة او عربة لبيع البليلا.

العامة قبل الخاصة تعلم علم يقين، انه كان على البلاطة،وقد اكمل فترة الرضاعة على صدر الجارة لجفاف ضرع امه بسبب قلة التغذية ؟!.الاجابة ببساطة ابسط من بسيطة،فمن الاستحالة ان يغتني موظف عن طريق الوظيفة ان لم يكن فاسداً من مرتبة اللا شرف الاولى .بعد هذه المعلومة المجانية، لا تسرفوا في الاسئلة كيف كان فلان وكيف اصبح الآن ؟!.

ولا تنشغلوا في التحليل والتعليل،فالفاسد مكشوف كشمس رابعة النهار،لا يحتاج الى دليل او سؤال .آن الآوان للانتقال من اللعنة عليه وعلى امه و ابيه و اخته و اخيه الى القبض على خناقه ليقضي بقية عمره في " قفقفا او سواقة " }}}

*** النهار الشتائي لم يكتمل طلوعه.شمس هذه الايام التشرينية ،تأتي عادة متأخرة وباردة.تُطل على البشر شاحبة خجولة،كمراهقة سقطت في الحب اول مرة.الشوارع الخلفية تغط في نوم ما قبل الصحو لكن الشارع الرئيس بدأ بالتثاؤب ثم اخذ يتمطى تمهيداً لإنطلاق نشاطه...في هذه الاثناء كان العمال،الفقراء،عمال النظافة،اصحاب عربات الشاي،باعة الكعك ،قطط المدينة الجائعة تحوم حول حاويات الجزارين ،المتسولون يأخذون مواقعهم في الزوايا...الكل يهرول على الارصفة، بحثاً عن ما يسد رمقهم، فـليس في الحياة ما يثير البهجة والفرح بقاموس هؤلاء سوى تامين خبز العيال....وجوه شاحبة،متعبة.بعضها قاسية قلقة، كأنها مرآة ناطقة تعكس قسوة الحياة، ووحشية القوى التي سرقت طعامها.إنخطافة الخوف من مستقبل غامض بادية على الملامح الجامدة.

رؤوس ملبدة بغبار مجبول بعرق الشقاء، منكوشة الشعر، يبدو انها لم تعرف الماء والصابون منذ الولادة،خاوية من كل شيء سوى الرغيف.لحيً مرخية بحالة فوضوية من دون تسريح، تناشد منظمات العناية بالنظافة مشطاً ومقصا. يا الهي...ماذا جرى للقاعدة الشعبية العريضة ؟!.

من حوّل هذه الكتلة البشرية الضخمة الى كم مهمل مثل قطيع بلا راع ؟!

لماذا اصبحت شفاهها ناشفة كأرض لم تمر من فوقها غيمة منذ ان خلق الله الدنيا.ملامحها الحيوية صارت كالحة،كأنها تعيش مأساة "سيزيف" الاغريقي حامل الصخرة على اكتافه ؟!.

جموع شقية تتدفق باعداد لا متناهية كسيل جارف الى قاع المدينة...يُطلون من الشوارع الخلفية،يخرجون من الأقبية الرطبة،يتسللون من العمارات المتهالكة.....يا الله ، ما زالوا يتقاطرون الى القاع،لعلهم يجدون رب عمل يمضون يوماً بمعيته،ايماءة من عابر سبيل يستأجر شقاءهم ليوم واحد في مزرعة او مصنع،او بناية تحت الانشاء...العيون تزداد جحوظاً....كلما زاد الانتظار،ازدادت تعاسة الجياع .الوجع الطبقي يتصبب من كعوب اقدامهم، كمزاريب شهر تشرين في سنوات الخير ـ ايام زمان ـ.الحنق يتصاعد الى رؤوسهم متسللاً من شقوق نعالهم الملامسة للاسفلت البارد.... طموحاتهم صغيرة ومشروعة...مجرد عمل يومي،يشترون بتعبه ربطة خبز، يحملونها للافواه الجائعة في بيوتهم الحزينة....انتصف النهار ولا احــــد.

البطالة سيدة الموقف وخيبة الظن تخيم على الجياع. الساعة الثامنة صباحاً.دبت الحياة في الشوارع،اشتد صخبها وتعالى ضجيجها حتى غطى المدينة باكملها.عوادم السيارات اضفت على ضيق الصدور رائحة خانقة.ماذا حدث ؟!.

وجوه الموظفين هي الأخرى اكثر اكفهراراً.ربات البيوت في عجلة من امرهن...الجيوب خاوية و الجميع يحصي ما بقي لدية من فراطة.الكل يُتمتم بالشكوى والدعاء الى الله ان يقصم ظهر الجوع و اولاد الحرام...الحيرة طافحة مثل مناهل المدينة ذات شتوة. جاءت الاجابة الصاعقة. بائع الصحف الوافد، يصيح بلهجة مصرية كأنه يحرض الناس من حيث لا يدري :ـ الحكومة رفعت سعر الخبز...مضيفاُ بروح النكتة المصرية...قاطعوا الخبز ...صوموا تصحوا ...لكم الله وموائد الرحمن....ارتفع منسوب التوتر عند العمال حتى تجاوز الخطوط الحرجة. تكورت القبضات فيما المدخنون اشعلوا سجائرهم بطريقة عصبية، كأنهم على وشك الدخول في مشاجرة دموية. وقف وسط الجموع عجوز عركته الايام وذاق من ظلم اللئام تعذيباً وتجويعاً حتى اشتعل راسه شيباً،متوكأً على سبعة عقود من الاعوام،بعد ان فرغ من قرآءة مانشيت الجريدة شبه الرسمية المعلقة امام كشك بيع الصحف، قائلاً على مسمع من حوله :ـ تُباً لك ايتها الحياة...بدأت بخطيئة ابينا آدم وجريمة قابيل،وها هو اليوم خليفة الله على الارض ـ الانسان ـ، لا يجد قوت يومه الاساس.اللقمة المغموسة بالسم اصبحت شبه مستحيلة... يارب :ـ اليس رفع الخبز جريمة ؟ّ!

.سؤالي الذي لم يسأله احد قبلي :ـ هل هذه المدينة " خرابة انسانية " ام " مقصلة للفقراء " تأكل اعمارهم بلا ثمن وترميهم كالكلاب المفرومة تحت عجلات السيارات في الطرقات بلا كفن ثم تتكفل الأمانة بدفنهم،لا حباً فيهم، لكن لكي لا تتعفن جُثتهم ويتأذى المارة من اصحاب الحظوة والخطوة من روائحهم العفنة.بصق على الارض...واصل حديثه مُصوباً نظراته الى بائع الصحف :ـ الواقع المفضوح لن افضحه اكثر حتى لا تفضحني دموعي،فقد رايت من افعال النخبة ما يشيب لهوله الولدان.

هم يعيشون في النعيم ويدفعون الفقراء المساكين للمشي على حافة السكين....ناهيك عن تضييق حرية التعبير بقوانين تحصي الانفاس وتراقب حركات اللسان،وقد بلغت الحبكة القمعية ذروتها في محاسبة الأنسان على صمته. شعر بدوار خفيف وارتفاع في ضغط دمه،فوضع حبة تحت لسانه ثم قال متهكماً :ـ نرجو من الرسميين المتأنقين المتوجهين بسياراتهم المكيفة في الصباحات الباردة الى مكاتبهم المكندشة،الكف عن التصريحات فـ " نعيب الغربان " اعذب منها، وزبد الثعالب اكثر صدقية من التبريرات الحكومية.

اما انتم ايها الساسة،النواب،الحزبيون،معارضة الجعجعة، نشعر بالمرارة، بعد ان تفوقتم على مسيلمة كذباً وسبقتم دون كيشوت مرجلة.سيوفكم الخشبية لا تقطع حبة بطاطا.جُلكم باع تاريخه من اجل منصب او مكسب تحت الطاولة.ما اوقحكم :ـ تركتم الشعب عاريا،جائعاً،مقروراً ورحتم تتقلبون بنعمة ميزانية الدولة / ثروة الناس كافة و الاجيال المقبلة.

المفارقة المخجلة التي تلطمكم، ان صندوق النقد الدولي الذي يخنق انفاس الدول الفقيرة،يثير القلاقل،يُهيّج الجماهير على حكوماتها، يسلب قرارها،كان ارحم منكم جميعاً و اكثر شفقة،فقد تعاطف مع فقرائنا،لمعرفته سوء احوالهم ودرجة معاناتهم موصياً :ـ " ان رفع الدعم عن الرغيف،سيزيد العبء على فقراء الاردن،فلا ترفعوه.هنا نسأل سؤالاً يجب ان لا يُسئل ابتداءً :ـ هل هناك جريمة اشد وقعاً وابشع انسانية من تجويع الناس ايام المجاعة و اعوام الرمادة.

أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.