• المدير العام ( المفوض ) .. عماد شاهين
  • يمكنك الاعتماد على وكالة العراب الاخبارية في مسألتي الحقيقة والشفافية
  • رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

نتنياهو أراد تغيير الشرق الأوسط .. فغيّرته غزة وغيّرت العالم معه!

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2025-11-06
488
نتنياهو أراد تغيير الشرق الأوسط .. فغيّرته غزة وغيّرت العالم معه!

 

حلمي الأسمر

 

كان بنيامين نتنياهو يرفع صوته منذ سنواتٍ وهو يتحدّث عن مشروعه لتغيير وجه الشرق الأوسط.

كان يراه شرقًا جديدًا على مقاس القوة الإسرائيلية، تُطبع فيه العواصم مع الاحتلال، وتُنسى فيه فلسطين، ويتحوّل العرب من قضيةٍ جامعةٍ إلى أطرافٍ متفرقةٍ في لعبة المصالح.

لكن ما لم يدركه نتنياهو أنّ التاريخ لا يُصاغ في مراكز الأبحاث ولا في غرف المخابرات، بل من بين الركام، من وجوه الأطفال المضيئة وسط العتمة، ومن نبضٍ لا ينكسر في مدينةٍ اسمها غزة.

فجاء «طوفان الأقصى» لا ليهزّ الشرق الأوسط وحده، بل ليقلب وجه العالم.

في لحظةٍ واحدةٍ تهاوت السرديات الكبرى التي بناها الغرب عن الحرية وحقوق الإنسان، وانكشفت «إسرائيل» أمام الشعوب لا كديمقراطيةٍ وسط الصحراء، بل كآخر استعمارٍ أبيض يرتكب الإبادة على الهواء مباشرة.

تغيّر الشرق الأوسط، نعم، ولكن التغيير الأكبر وقع في وعي الإنسانية: من الجامعات الأميركية إلى شوارع لندن، ومن النقابات في باريس إلى مظاهرات طوكيو، أصبح اسم فلسطين مرادفًا للضمير الإنساني المفقود.

ولعلّ المفارقة التاريخية أن نتنياهو الذي أراد أن يغيّر وجه المنطقة بالقوة، وجد نفسه أمام عالمٍ تغيّر عليه بالقيم.

فبدل أن يُخضع الشعوب، أطلق يقظتها؛ وبدل أن يُرهب الأحرار، أيقظ فيهم المعنى.

لقد تغيّر الشرق الأوسط، ولكن ليس كما أراده نتنياهو؛ بل كما كتبته غزة بدمها، حين أعادت تعريف القوة والكرامة، وغيّرت وجه العالم إلى الأبد.

لكن التحوّل لم يقف عند حدود غزة، بل امتدّ إلى عواصمٍ كانت تُعدّ معاقل السردية الصهيونية نفسها.

ففي نيويورك — المدينة التي طالما كانت تُدار فيها موازين القوة والمال والإعلام — فاز زهران ممداني، الرجل الذي تجرأ على قول ما كان يُعدّ قبل سنواتٍ قليلةٍ جريمةً سياسية: أن فلسطين حرة، وأن دعم المقاومة ليس تهمة، وأن العدالة لا تتجزأ.

قبل عقدٍ فقط، كان تصريحٌ كهذا كفيلاً بإنهاء حياةٍ سياسيةٍ في مهدها، وربما بحياة صاحبه أيضًا؛ أما اليوم، فهو يُتوَّج به عمدةً لمدينةٍ هي رمز النظام العالمي القديم.

تلك ليست مجرد انتخابات، بل زلزال في بنية الوعي الغربي: أن ينتخب الأميركيون رجلًا من أصل مهاجر، مسلمًا، يرفع راية فلسطين في عاصمة المال والنفوذ، فذلك يعني أن الرواية تغيّرت، وأن الهيمنة القديمة تفقد شرعيتها الأخلاقية.

لقد اخترقت غزة، من دون طائرات ولا صواريخ، جدران الإعلام الغربي، ودفعت بشبابٍ من جيل «زد» إلى مواجهة الماكينة التي كانت تصنع وعيهم.

ومن رحم هذا الوعي الجديد وُلدت موجةٌ عالمية تقول: لسنا خاضعين بعد الآن لرواية المنتصر، بل منحازون للحق، ولو جاء من تحت الأنقاض.

إن فوز ممداني ليس حدثًا محليًا؛ إنه ترجمة سياسية لزلزالٍ أخلاقي وإنساني بدأ من غزة.

هو العلامة الأولى على تصدّع «الهيكل» الرمزي الذي ظنّ نتنياهو أنه محصّن إلى الأبد.

لقد تحرّك التاريخ في الاتجاه المعاكس لمشيئته:

فحين أراد أن يغيّر الشرق الأوسط بالنار، تغيّر العالم بالنور؛

وحين أراد أن يُعيد صياغة الخرائط بالقوة، أعادتها غزة بالضمير.

وهكذا، من تحت الرماد، يتشكّل عالمٌ جديدٌ لا يُدار من تل أبيب ولا من واشنطن، بل من وجدانٍ عالميٍّ يُعيد اكتشاف إنسانيته،

ومن مدينةٍ صغيرةٍ على شاطئ المتوسط اسمها غزة، علّمت البشرية أن الكلمة أقوى من القنبلة، وأن العدل مهما تأخر، فإن له ساعةً يشرق فيها وجه العالم من جديد.

لقد دخل العالم، منذ طوفان الأقصى وفوز ممداني، مرحلة ما بعد الهيمنة الغربية.

فما عاد مركز القوة في واشنطن أو تل أبيب أو بروكسل، بل في الضمائر التي تمردت على صمتها.

سقطت الصورة التي حكمت العالم منذ قرون: صورة «الغرب المعلم» و«الشرق المتخلّف».

اليوم، تتبادل الأدوار: غزة الصغيرة تُعلّم الكبار معنى الإنسانية، وممداني القادم من الهامش الثقافي يُعيد تعريف المركز السياسي.

إننا أمام لحظةٍ فاصلة في التاريخ، تشبه تلك التي أعقبت سقوط روما أو انهيار الاستعمار الأوروبي، لكنها أكثر عمقًا، لأنها لا تتعلق بالجغرافيا بل بمنظومة القيم نفسها.

فقد انكسر وهم «نهاية التاريخ» الذي بشّر به فوكوياما، وبدأ عصر «بداية الضمير» الذي تُبشّر به فلسطين.

وبات واضحًا أن العالم يتجه نحو توازنٍ جديدٍ لا تُقاس فيه القوة بترسانة الأسلحة، بل بقدرة القيم على البقاء.

وهكذا، فإن ما لم يُدركه نتنياهو – ولا منظرو 'إسرائيل الكبرى' – هو أن الشرق الأوسط الذي أرادوا إعادة تشكيله بالنار قد أعاد تشكيلهم بالنار ذاتها، وأن التاريخ حين يتحرك من جهة المظلوم، لا تقدر قوة على إيقافه.

لقد تغيّر وجه العالم فعلاً، لا كما أراده نتنياهو، بل كما أرادته غزة حين صلّت تحت القصف، وكما نطق به ضمير ممداني حين أقسم أن العدالة لا جنسية لها.
 
عمون
 
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.